بالعين المجردة.. قانون التجارة العماني

لن نحتاج إلى مجهر لنرى واقع قانون التجارة العماني وما يمثله من إضرار بالمصلحة العامه ويتعداه إلى أنه من الممكن إعتباره أحد أسباب تعطيل التنميه بالبلد. فقانون التجارة العماني أتبع مبدأ مختلف عن بقية القوانين في إعتباره العقد المصدر الأول الذي يلجأ إليه القاضي في حل النزاعات الناشئه بين الأطراف قبل نصوص قانون التجارة.

فقد تناول قانون التجارة العماني رقم 55 لسنة 1990 المصادر التي تطبق على المسائل التجارية في المواد (4) و(5):

المادة (4):(إذا لم يوجد عقد أو وجد وسكت عن الحكم أو كان الحكم الوارد في العقد باطلاً، سرت النصوص التشريعيه الذي يتضمنها هذا القانون والقوانين الأخرى على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها).

المادة (5):(إذا لم يوجد نص تشريعي،سرت قواعد العرف ويقدم العرف الخاص على العرف العام فإذا لم يوجد طبقت أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ثم قواعد العداله).

وبذلك يكون قانون التجارة العماني قد تخلف عن قوانين التجارة في دول العالم التي أعتبرت المصدر الأول هو نصوص قانون التجارة (التشريع).

فالأصل أن القانون عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم السلوك الإجتماعي للأفراد وتكفل الدولة أحترامها بالقوة عند الإقتضاء. وتستمد هذه القواعد القانونية قوتها الملزمه من مصدرها الرسمي (التشريع) الذي يصدر عن سلطة مختصه في الدولة تصدر القواعد القانونية بصورة مكتوبة لما تقتضيه المصلحة العامة.وبذلك فإن هيكلة القانون لا تستقيم إلا بتقديم التشريع كمصدر أول ذلك حرصاً لتحقيق العداله وتضييق ثغرات الفساد ما أمكن.

وتجدر الإشارة إلى أن القواعد القانونية من حيث مدى سلطة الأفراد إزاءها تنقسم إلى:(قواعد آمرة وقواعد مكملة)، فالقواعد الآمرة لا يجوز الإتفاق على عدم إتباعها وكل إتفاق على خلاف الحكم الذي تتضمنه يعد باطلاً.

ولتسليط الضوء لما يعنيه مفهوم القواعد الآمرة سأسرد بعض الأمثلة لمواد القانون المدني التي صيغت بقواعد آمره:

تنص المادة(515) من القانون المدني على أنه إذا أتفق على أن أحد الشركاء لا يساهم في أرباح الشركة أو في خسائرها كان عقد الشركة باطلاً.

كذلك تنص المادة (651) من القانون المدني على أن يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحث خلال عشرة سنوات من تهدم كلي وجزئي فيما شيده من مبان.

وتنص المادة(653) على أن يكون باطلاً كل شرط يقصد به إعفاء المهندس والمقاول من الضمان أو الحد منه.

وعليه فإننا نستخلص من ذلك أن قانون التجارة العماني حينما أخذ بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين ويقصد به:(أن العقد يلزم المتعاقدين كما يلزمهما القانون فلا يستطيع أي منهما أن يتحلى بإرادته المنفرده في تنفيذ أو تعديل أو إنهاء العقد الذي إبرمه،كما لا يجوز للقاضي أن يقوم بشئ من ذلك بل يتعداه إلى أن نصوص القانون لا سلطة لها في تعديل العقد).

فهو بذلك ألغى القواعد الآمره فعوضآ عن أن يتبع العقد القواعد الآمره التي نص عليها التشريع يلغيها.

بالإضافه إلى ذلك فأنه سحب السلطة التقديريه من القاضي، فيصبح القاضي مقيداً بما جاء في العقد؛ فلا يمكنه التدخل بعد تعديل العقد أو إعفاء أحد المتعاقدين من بعض الشروط أو إنهاء العقد بناءاً على طلب أحدهما.

وبذلك تتعطل إمكانية القانون في حماية الطرف الضعيف الذي لربما لا يمتلك الدراية والخبرة والإحتراف بعقود قد توقع به ضرر.

وتتوسع دائرة الضرر لتشمل تعطيل التنمية بالبلد وإهدار للمال العام ويتضح ذلك مثلآ بالرجوع إلى (قضايا المنازعات في العقود للشركات متعددة الجنسيات).

وكان يا مكان ليس هنالك من شئ يظل كما كان، فالدول تحت تأثير الإتجاهات الإجتماعية أدركت خطورة تقديم مبدأ العقد منذ بداية القرن العشرين فقد أدى ذلك إلى أستغلال بشع للإنسان، وتكدس الثروات القومية بيد قله من أبناء كل دولة سيطروا على الأرزاق وفرضوا إرادتهم على كل من يتعامل معهم، لا ينظرون في ذلك إلا لمقدار ما يتحقق لهم من أرباح ولو كان ما يربحونه مقتطفا من أجساد الفقراء الكادحين.

ومن هنا نداء إلى إعادة النظر في قانون التجارة العماني نظرااً للحاجه الملحه لتقليص دائرة الفساد وجعل القوة الملزمه للقانون من النصوص القانونية وليس من العقد. فما يطفو على السطح من نزاعات تجارية سواءاً أكانت إختلاس أو تدليس أو تخوين ليست إلا مرآة تعكس فساد العمق.

فحينما نثير هذا التساؤل البسيط: ما هي المصلحة التي من الممكن أن تكون في تقييد القانون التجاري بالعقد وجعله إلى الآن يعلو على سلطة التشريع؟! يتبادر إلى الأذهان سوى حكاية طاولة وأحجار نرد وأيدي خفيه، ما أن يخفق حجر النرد حتى يرمى به في القاع فلا سباحة ماهرة تنقذه ولا عويل ينفعه. ولكن الكل في ساحة العدالة سيان وعلى الميزان فالأكف لا تميل لأي منهما، فكلهم ينخر جسد وطن أرهقه الفساد. فلابد من إجتثاث الجذور السامة جميعها حتى تزهر الأغصان.

عذراء العلوي