بعد ما يُسمّى الربيع العربي – الذي فرضَ واقعًا يختلفُ كليّة عن ما قبله- صار مجيءُ يوم وطنيّ مثيرًا لتكهنات التغيير أكثر من كونه يوم الفرحة الذي يحملُ فيه (طلابُ/أطفال) المدارس الأعلام الصغيرة مبتهجين مزغردين بالأناشيد الوطنية.
ثمّة إحساسٌ بتحوّلٍ في التفكير الجمعيّ لدى طبقةٍ مهمةٍ من الشباب العُماني، بوجوب إعادة تحريك عجلة التغيير الذي قادها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، بعد أنْ تأثّر الشعبُ العماني برياح الربيع العربي، وأزاح بتلك (الهبّة) طبقة فساد تحجّرت على مقدِّرات وخيرات عُمان، وأحبُّ أنْ أؤكد هنا في المتن لا في الهامش بقولي (طبقة فسادٍ) ولم أقُل (طبقة الفساد).
عجلة التغيير تلك عملت بجدِّ وديناميكية حين كانت تحت العين المباشرة لجلالة السلطان يحفظه الله، ثُمّ ما لبثت أنْ تكاسلت تحت وطئة مكابحها، حين أوكلت إلى مؤسساتها كما تقتضي أعراف دولة المؤسسات والقانون، ومِنْ هنا فإنّه لا بُدَّ مِنْ جلالته -يحفظه الله- الذي يسمع الشعبُ العماني أوامرَه السامية- أنْ يستبدِلَ المؤمن الضعيف بالمؤمنِ القويّ، وفي كلاهما خير.
الشعبُ العماني بدأ يشعرُ بوجودِ حلقة بدأت تضعفُ في تسيير الأوامر السلطانية ةعجلة التنمية المستدامة، بل لم تعد مِقدامة ومبتكرةً، ولذا فقد صار يستدعي في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ (مكرمةً ) أوامرَ ساميةٍ أخرى لنفاذها، ويستطيع موظفٌ خدم في مهنته عشر سنواتٍ فقط أنْ يدُلّكَ على مواطِنِ الخلل في ديناميكية مؤسسته، وفي السلطنة يستطيع (سائق الأجرة[1]) أنْ يُخبركَ أين تتوقفُ أمواجُ البحر، عند أيّ كاسرِ أمواج، وأين مواضع الثقوب في الشراعِ التي ينفذ منها الهواء، فيركد المركبُ في عرضِ البحر، ولهذا فإنه لا يجبُ أنْ ننظر للتغيير بمنظوره السلبي، وأنه فشلٌ ذريع، بل هي فريضة من فرائض الله في الكونِ، أكبر من كونها سنّة من سنن الحياة، والقائد المحنّكُ قد يستبدل الميمنة بالميسرة وهكذا، كما أنّ الأوضاع الجيوسياسية التي تمرّ بها المنطقة، تحتاجُ إلى فكرِ وعضلةِ جيْلٍ شابٍّ مِقدامٍ في خدمةِ وطنه، ويتجلّى ذلك كجسّ نبْضٍ، وقياسِ آراءِ في ردود أفعال المجتمع العُماني على بعض القضايا الوطنية خلال صفحات الاِنترنتِ ومواقع التواصل الاِجتماعي.
التكهنات التي تُثيرُها الأيام والمناسبات الوطنية تعدّت المعتادُ عليها ، كإيجاد وظائف، زيادة الرواتب، إسقاط الديون، إنشاء صندوق الزواج، الانفتاح الإعلامي، تفكيك بعض الحصانة عن “الوزارات السيادية”، و… إلخ، وتعدّاه لتغيير جذريّ بمطالبة تعيين “رئيس وزراء” يحقُّ لمجلس الشورى “مثلا” مساءلته عن عملية التنمية الوطنية، والفساد لو وُجِدْ، ومن يعودُ لبدايات التاريخ العُماني الحديث، سيجدُ أنّ هذا المنصبَ ليس غريبًا على عُمان، فقد تسنّمه السيّد طارق بن تيمور آل سعيد –رحمه الله- في بداية النهضة المباركة، هذا ناهيكَ عن الاِرث الفكري العُماني في زنجبار، وأرى أنّ هذا المنصبَ ما يزال موجودًا، وإنما بتسميةٍ أخرى وصلاحيّاتٍ مقيّدة، وذلك في كرسيّ (نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء).
يجبُ الإقرار أنّ السياسة الحكيمة لجلالته آمنت بالتدرج، كما أنّ تعيين هذا المنصبِ يحتاجُ لكيفية وصياغةِ آليّةٍ تُقنِّنُه وتضبطه، بدءًا من كيفية التعيين، وفي شخص رئيس الوزراء المعيّن “كصلاحيتهِ، وإمكانيّة وآلية مساءَلته، وليس أخيرًا احتمالية المطالبة بإنشاء أحزاب لاختيار رئيس الوزراء، و…إلخ، وهنا لا يُمكنُ إنكار أو إغفال أنَّه قد يكون لهذا المنصبِ بعض الحساسيات والعواقب السلبية على الفسيفساءِ العمانية المتناغمةِ فيما بينها.
ولو أردْنا مقاربة بعض التجارب العربية فقط التي يمكن من خلالها استقاء ما قد يصلح للسلطنة ، فإننا نستطيعُ جمعَ هذه التجاربِ في مثاليين:
· المثالُ الأول: بعض دول الخليج، ذات نظام الحكم الوراثي كالكويت، والبحرين وقطر، حيث يقومُ رئيس البلادِ باختيارِ شخصٍ مِنْ قِبَلِهِ، مع تباينٍ في الصلاحياتِ والآليات في كلّ دولة على حدة، وباختلافٍ طفيف عن الامارات.
· المثال الثاني: الدول العربية الأخرى كالأردن، ولبنان، والعراق، وسورية والجزائر والمغرب، والتي يتمّ إختيارُ رئيس وزراءٍ بها من خلال الأحزاب. وهنا يجدر لفت الانتباه أنّ الأردن والمغرب ذات أنظمة حكم وراثية، وهي إشارة لها مغزى.
ومع هذين المثالين في الدول العربية، فإنه من المهمّ الإشارة أيضا إلى تجربة الجارة إيران، وهي تجربة مهمّة تتلخص في منصب (المرشد الأعلى) والذي يبدو كأنه رئيس فخري بصلاحياتٍ مهمة، وعليه (هيئة تشخيص النظام) تُقرر صلاحيته من عدمه، ثم رئيس الجمهورية، ونائب الرئيس، ورئيس الوزراء، ناهيكم بالطبع عن النماذج الأخرى (الناجحة) في العالَم. وهذا المقال لا يحتمل الغور كثيرًا في هذه النقطةِ بقدْر ما سرَحَ قليلا مع همهماتِ الشارع العُماني و23 يوليو. همهماتٌ ربما تعلو، لذا يجبُ الاِلتفاتُ لها، ولو (بتغيير طفيف).