الإمارات في وعيي هي جزء من وطن لا يختلف عن أي جزء من عمان في شيء، إلا في حكومته ونظامه السياسي المعاصر، ومناطق كالعين والوثبة وبني ياس هي ملاعب طفولتي، مثلما كانت لآخرين سكناً وألفة، لذلك فأني أجد حرصي على مشاعر إنسان الإمارات يوازي حرصي على مشاعر إنسان عمان سواء بسواء وهما عندي بنفس الأهمية، أن تكون هناك أنظمة سياسية مختلفة في مسقط وأبوظبي، هي بدورها مخلفات سياسة بريطانية معروفة تاريخياً ومعممة في كل مكان حلت فيه بريطانيا، في الهند والصين ومصر وتنزانيا وشرق وجنوب افريقيا والعراق، فذلك امرٌ اتعامل معه بواقعيته الراهنة، لكنه لا يستطيع أن يمحي من وعيي واقعاً طبيعياً أكبر منه استمر لمئات وآلاف السنين، وأنا ممن يؤمنون بأن الواقع الطبيعي أغلب من الواقع المفروض بالقوة، وذلك لا يعني لدي أي تغليب ولا تفضيل لسلطة على أخرى، فنتائج الأفعال هي التي تفاضل، وأحياناً كثيرة أرى في وجود أكثر من نموذج سياسي مختلف فرصاً أكثر خصوبة لتراكم المنجز الإنساني أكثر مما لو كان النظام نمطياً واحداً، مع أن الاختلاف في حالتنا شكلي اأكثر منه جذري.
هذا التقديم ضروري ومهم كي لا يجتزأ المقال ويحور ليكون ضد الإمارات الحديثة اليوم التي اعتز بأهلها وأعرف تماماً قيمتهم وأهميتهم وقرابتهم، فأنا أيضاً ككثيرين غيري لدي أهل وأقارب وأصدقاء وعلاقات متينة مع إماراتيين هي من تلك الأشياء الثمينة من علاقات الإنسان، وعلى صعيد الكتاب فإني أكن كل الاحترام والتقدير لتجربة كتاب الإمارات، كما يفعل معظم الكتاب العمانيين والإماراتيين على السواء، بالتالي فإن معاوية الرواحي ككاتب عماني لا ينفصل في وعيي عن أي موقف مشابه قد يتعرض له كاتب إماراتي لا سمح الله.
هكذا إذن أدخل في موضوع هذه المادة، قام الباحث العماني أحمد الحارثي بكتابة ملصق على الفيسبوك منتقداً بأسلوبه الساخر الكتاب والمثقفين، وبالأخص الذين يتضامنون مع قضية معاوية الرواحي ويشعرون بالظلم الذي يحيق به: بما أنه مريض حسب الاثباتات الطبية التي تسقط عنه مسئولية الأقوال التي يقولها وهو محتجز لكل هذه المدة الطويلة إضافة لما شرحه في التسجيل الصوتي الذي شاع وانتشر حول الممارسات التنكيلية التي تعرض ويتعرض لها في السجون الإماراتية، لكن رغم ذلك لم يتورع الكتاب والمثقفون والقراء العمانيون عن زيادة الازدحام في معرض الشارقة للكتاب مشاركين وموقعين إصداراتهم الجديدة وهو موقف يتناقض تماماً مع تضامنهم المعلن السابق.
إن وقوفنا جميعاً مع قضية الكاتب معاوية الرواحي هو وقوف مع قضية عادلة من أجل رفع الظلم الجلي الواضح الواقع عليه، ومن أجل قضية حرية الرأي والتعبير في بلادنا التي إذا خسرناها في وجه أي سلطة كانت فإننا نرضى بالتحول لقطيع من الماشية البشرية، لا رأي لها ولا تعبير، بإمكان الراعي أن يقودها إلى السوق أو إلى المسلخ أو إلى الهاوية، لأن خسارة الرأي والتعبير هي خسارة أحد الركائز الإنسانية التي تميز الإنسان الطبيعي وبخسارتها نخسر إنسانيتنا.
هل يمكننا إذن أن نفعل شيئاً للتضامن مع قضية معاوية الرواحي سعياً للإفراج عنه؟ نحن الذين لسنا في موضع قرار ولا داخل السلطة، نحن الناس العاديون هل يمكننا التأثير والضغط من أجل أن الإفراج عن معاوية الرواحي بأسرع فرصة ومنحه حريته واسقاط التهم الموجهة إليه نظراً لثبوت أدلة برائته الناصعة؟ أم نحن أعجز من أن نفعل ذلك؟
انطلاقاً مما كتبه أحمد الحارثي أظن أن بإمكاننا فعل شيء، ولهذا أجد أن علينا واجب الدعوة العامة لكل المتضامنين مع قضية معاوية عمانيين كانوا أو إماراتيين أو غيرهم، إلى مقاطعة كافة الأنشطة والفعاليات الإماراتية من معارض الكتب والمهرجانات السينمائية والفعاليات المختلفة بما فيها مهرجانات التسوق أو أية علاقات اخرى من شأنها التأثير والضغط على السلطات الإماراتية من أجل الإفراج عن معاوية، وهذه الدعوة موجهة بالأخص للكتاب والشعراء والفنانين والسينمائيين والمثقفين، بكافة أطيافهم، واهل الوعي وكافة الشرفاء الحريصين على العدالة ورفع الظلم.
إن واجبنا يحتم علينا ما دمنا على وعي وإدراك بالخطأ أن نفعل شيئاً لإصلاحه، ما دام بإمكاننا، لأن امتناعنا عن ذلك هو تواطؤ ضمني مع الخطيئة، وهو حالة مرضية تجعلنا نتماهى مع الظلم الذي يعتبر السكوت عنه ظلماً أشد، إن مقاطعة الفعاليات والمقاومة السلبية هذه هي خطوة تحتاج إيماناً حقيقياً وقناعة واضحة بأهميتها وضرورتها وصوابها وفاعليتها، وأنها هي السلوك الحضاري السلمي الأنسب.
لقد اعتادت أنظمتنا على ممارسة الصمت تجاه رأي الناس، حتى غدا ذلك منهجاً قارّاً يتم بواسطته امتصاص الصدمة وادعاء عدم التأثر بها، أو اللامبالاة تجاهها، وتجاه الرأي العام جملة، في نفس الوقت الذي تثبت فيه كل الأدلة، بما فيها قضية معاوية الرواحي اليوم، ان كل كلماتنا وأفعالنا تحت الرقابة الدقيقة.
قضية معاوية الرواحي هي اختبار لضميرنا ونحتاج اليوم إلى تحويل إيماننا ببرائته إلى فعل صريح واضح ومعلن على عدم الموافقة والاعتراض، فلم تحصد الأمم التي سكتت على الأخطاء الواضحة اللاإنسانية لأنظمتها إلا الحريق الشامل الذي ينزلق بأوطانها لعقود في ألسنة النار المشتعلة.
هذه القضية هي اختبار للوعي إن كان حقيقياً أم زائفاً، وهي اختبار لمشاعر التضامن إن كانت صادقة أم مجرد قناع غوغائي له أهداف وضيعة أخرى وغير مكترث إلا بالإثارة، فهل وعينا اليوم رفيع أم هو وعي قاصر وعاجز واقصى همومه مادية وحسية كما يتهم وعينا العام عموماً، أم هو وعي حقيقي يدرك ان عليه ان يمد اجنحته ويطير عالياً في سماء الحقيقة قبل السقوط في مستنقع ظلامي من انعدام الحس الروحي وفي مجارير تبلد الحس وانعدام نور الضمير؟
إبراهيم سعيد