نحو أنسنة الطلاق

كم هي الآهات التي تتصدع لها القلوب، وتذوب لها المهج، عندما يقع الطلاق بين زوجين؛ فتتشتت بسببه الأسر التي كانت المودة تجمعها، وينفض شمل الأبناء فيتيهون في دروب الحياة حيث ابتعدوا عن ذلك المحضن الدافئ الذي يربيهم ويرعاهم، فيصبحون فريسة سهلة للإجرام وتصبح وصمة الطلاق عارا في جبين الزوجين، لكنه أشد وقعا على المرأة التي تصبح هذه اللفظة علامة لها تلازمها ملازمة الظل لصاحبه.

والمؤلم حقا أن كثيرا من هذه الطلاقات ما كانت لتقع لولا فتيا كثير من الفقهاء بوقوعها فتجد كلا الزوجين في أحوال كثيرة لا تكاد تحصى. يحاول الرجوع لصاحبه بعد التلفظ بالطلاق؛ لكن الفتوى له بالمرصاد تقف حجر عثرة أمام عودة المياه لمجاريها.

ولسنا بحاجة للتذكير بأن الإسلام سمى الزواج (ميثاقا غليظا)، فكيف تفصم عرى هذا الطلاق نتيجة مزحة أطلقها الزوج، أو ساعة غضب لم ينو به طلاقا. أو كان الطلاق واقعا بدعيا وليس سنيا. ولماذا لم نسائل أنفسنا عن حكمة التدرج الذي جعله الإسلام لحل المشاكل الزوجية من نصح وهجر وتدخل للأهل للإصلاح ثم لا بد أن يكون الطلاق في طهر لم يجامع الرجل فيها زوجته. أليس كل ذلك حتى يضع عقبات كأداء أمام الطلاق، حتى لا يقع إلا بعد استحالة الحياة الزوجية وتعذر استمرارها؟

لذلك تعجب عندما تسمع فتيا بأن طلاق الهازل يقع لأن هناك رواية ضعيفة تقول(ثلاث جدهن جد وهزلهن جد) ومن ضمنهن الطلاق. فهل أصبح الهزل برغم قبحه سببا في قطع علائق حياة زوجية عظيمة؟ وكأننا نوحي للناس أن الإسلام يرى بنيان الأسرة كبيت العنكبوت، أدنى لفظ يهزه ويقطع أوصاله.

أوليست النية أهم من العمل نفسه؟ فكيف لا يشترط للطلاق النية، والرسول الكريم يقول (إنما الأعمال بالنيات) والأعجب من ذلك أنهم قالوا بوقوع طلاق الكنايات مع نية الطلاق مع أن الطلاق نوع من المعاملات التي لايصح فيها الكناية؛ بل لابد من لفظ صحيح صريح وإلا لو قلنا بإثبات المعاملات بألفاظ الكناية لفشا اللبس وضاعت الحقوق.

ثم إن كثيرا من الطلاقات التي يوقعها الفقهاء على الزوجين؛ إنما كانت لمخالفة المطلق للنص الشرعي فكثير من الأزواج في حالة التهور والغضب وفقدان العقل بالسكر يطلق زوجته ثلاثا في الحيض أو في طهر جامعها فيه. ومع أن الله تعالى ذكر في كتابه وصفا لذلك الطلاق البدعي بأنه تعد لحدود الله (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فمعنى طلقوهن لعدتهن أي في حالة يكن فيها مستقبلات للعدة أي في طهر لا جماع فيه بحيث يمكن لهن حساب العدة بدون أن يطول أمدها عن ثلاثة قروء  ومن طلقها في غير هذه الحالة فطلاقه تعد لحدود الله وخلاف أمره وهو بالتالي واقع في غير محله باطل لا عبرة به وكما قال عليه السلام(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وتكفينا هذه الآية ردا على كثير من الفقهاء الذين وسعوا دائرة الطلاق، وضيقوا على الناس بفتياهم أسباب العودة للحياة الزوجية الهانئة وبعضهم للأسف يشدد على ذلك المطلق عقوبة له لاستهتاره كما في فتيا بعضهم بوقوع طلاق السكران معللا ذلك بالنكاية به ولم يعلم هذا الفقيه أنه يعاقب أسرة بأجمعها ويدق إسفينا في جسد المجتمع بما ينتجه هذا الطلاق من مساوئ اجتماعية واقتصادية بل ودينية أيضا.

وأعجبني ما ذكره العوتبي صاحب الضياء عن بعضهم: أن الطلاق لا يقع في الحيض ولا يقع في الطهر المجامع فيه، وأن طلاق الثلاث دفعة لا يقع وقيل يقع واحدة، وأعجبني ما ذكره أيضا نقلا عن بعض الفقهاء: أن الطلاق معصية. وأفضل من هذا القول قول بعضهم: الطلاق محظور في نفسه مباح للضرورة. ليتنا ندرس أبناءنا أن الطلاق محظور وننفرهم منه ونلغي القول بأن الطلاق الصريح لا تشترط له النية ف(الأعمال بالنيات).

معاشر الفقهاء عندما تحكمون في قضايا الطلاق لا تحكموا من زاوية واحدة ولا يكن نظركم قاصرا على جانب اللفظ الذي اهتممتم به وسودتم به كثيرا من الصحائف، ويتقضى عجبي من زواج سماه الله ميثاقا غليظا ثم تقطع هذا الميثاق بكل ما فيه من تغليظ شفرة كليلة خرجت من لسان بلا عظم وهي شفرة الطلاق . ترى لماذا لم نسائل أنفسنا : لماذا يشترط في الزواج الولي والشاهدان والرضا من الطرفين ويعد الزواج بدونها باطلا ولا يشترط ذلك في الطلاق.

لماذا يكون الطلاق أهون من الزواج مع أننا لو تأملنا كتاب الله لوجدنا ان الله سبحانه شرع من الطرق ما يكون به الطلاق آخر الحلول للمشاكل الزوجية فالآيات الكريمة تذكر أن النشوز قد يقع من كلا الزوجين (واللاتي تخافون نشوزهن) (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) ثم أرشد القرآن إلى ضرورة بعث حكمين يمثلان الزوجين بغية التوصل لصلح توافقي (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)، فإن تعذر الوفاق (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وما تشير إليه الآيات الكريمات من ذكر للطلاق بعد تدخل الحكمين يظهر منه أن هذا الطلاق لاينبغي أن يكون من طرف واحد وهو الزوج؛ بل لابد من رضا كلا الزوجين به كما هو الحال عند إرادة الزواج فكما أن عقود البيع يشترط فيها الايجاب والقبول لإبرامها فكذلك الحال عند فسخها فإذا كان هذا في حق البيوعات فالشأن أعظم في أمر الزواج فإن تعذر الحصول على وفاق لنقض الزواج رجع الأمر للقاضي ليبت فيه أما ما هو حاصل اليوم من إعطاء الزوج هذا الحق وتوحده به فليس من العدل في شيء.

وجاء قانون الأحوال الشخصية العماني مراعيا لهذه المسألة في جوانب مخلا بها في جوانب أخرى. ففي المادة 84: لا يقع الطلاق على الزوجة الا اذا كانت في زواج صحيح وغير معتدة..  ومعنى ذلك أن الطلاق لا يتبع الطلاق في العدة فإذا طلق الزوج زوجته عد ذلك رجعيا. فإذا طلقها مرة أخرى أثناء عدتها عد طلاقه لغوا لا أثر له. و في المادة 86 الفقرة ب: لا يقع الطلاق المقترن بالعدد لفظا أو كتابة أوإشارة إلا طلقة واحدة.

وهذا يعني أن الرجل لو قال لزوجته انت طالق ثلاثا أو مائة عد ذلك طلقة واحدة. ونحن ندعو المشرعين القانونيين للنظر في هذا القانون وإعادة صياغته من جديد بحيث يتواءم مع المنهج القراءني مبعدا الظلم عن كلا الزوجين وواضعا أطرا تحد من تفاقم هذه الظاهرة وعلى الفقهاء أن يلتزموا بهذا القانون الذي هو بمثابة الحكم الذي يرفع الخلاف في المسألة.

لقد بات من الضروري تفعيل الدلالات القرآنية التي تعلي من شأن هذه الرابطة، وأن نرفع الآصار والأغلال التي ناءت بها الأسر ونضع حدا لهذا الاستهتار واللامبالاة التي يقع فيها من لا خلاق لهم من الأزواج؛ فيبرمون العقد وينقضونه متى شاءوا، وكيف شاءوا.

وأن نعيد للمرأة مكانتها فليست هي أمة عند الزوج أو سلعة متى شبع منها لفظها؛ بل هي شقيقة له وصنو له وبذلك نبني مجتمعا قويا قادرا على النهوض بجناحيه (الرجل والمرأة) والتحليق عاليا في سماء التطور والإبداع.

 حمد بن مبارك الرشيدي

  HAMEDMO7979@GMAIL.COM

 

1 تعليقك

  1. تشفع لك نيتك الحسنة في الإبتعاد قدر الإمكان عن تشتيت الأسر بالطلاق ولكن لا تبرر لك أن تفتي فيما يجوز ولا يجوز من أمر الطلاق وقولك بأنعدام المنطق من الأخذ بالمطلق هزلا أو في حالة السكر أو في غير العدة فأقول لك بأن المنطق كله في الأخذ به فكما أسلفت الزواج أمر عظيم وميثاق غليظ ليس للهزل فيه مجال ولا للتهاون فيه منطق لذلك فأمثال هؤلاء من الأفضل أن لا تربط حياة أطفال بهم – أقصد الهازل والسكران-.

Comments are closed.