مدينة الأطفال

احتفلت ابنتي تيماء بعيد ميلادها الثاني عشر في “مدينة” كيدزانيا المخصصة للأطفال بداخل مول دبي التجاري، التي أغلب مواطنيها من سن 4 سنوات حتى 16 سنة، وهي بالنسبة إليّ من أجمل المدن الحقيقية التي تعتني وتعنى بالطفولة، فكل ما فيها متماثل الحجم مع الأطفال من المباني والمحلات التجارية والمسارح، ولا أخفيكم اندهاشي الجميل من هذه المدينة الملفتة من حيث تعامل القائمين عليها من المشرفين والعاملين بداخلها مع الأطفال وأسلوبهم التعليمي الملفت بصورة مبتكرة وتثقيفية لهم.

أكثر ما شد انتباهي حين الدخول إلى هذه المدينة المبتكرة أن البوابة الرئيسية لدخولها عبارة عن معبر الدخول إلى الطائرة، فتستقبلك مضيفة طيران لشراء تذكرة الدخول إليها ومن ثمّ كنوع من التثقيف للأطفال عن الأشياء المفترض القيام بها قبل دخولك إلى المدينة الذهاب لوضع الأدوات التي يحملها الطفل من شنطة وغيرها، ومن ثمّ تدخل إلى المدينة وتتفاجأ بأن حجم المدينة من الداخل لا يصور لك حجمها قبل دخولك، وبالفعل هي مدينة تضم الكثير من الأطفال الذين يركضون بكل الاتجاه حولك، وبما أنني لأول مرة أدخل إليها لم استوعب في البدء طريقة التعامل مع هذه المباني والمحلات، أو كيف نبدأ المرح فيها، فانطلقنا أنا وتيماء في لفة سريعة فالوقت المخصص لنا أربع ساعات لاستيعاب المدينة، كنت أتوقع أننا سنخرج قبل ذلك الوقت المخصص لنا بساعتين، وحينما كنت أوجه السؤال لأحد المشرفين عن تلك المباني لم تكن أجابته توجه إليّ بل كانت لابنتي تيماء فهي الفرد المهم في هذه المدينة البعيدة عن روح كبار السن، وهذا ما أسعدني جداً، فتعزيز الثقة للأطفال يبدأ من النظر في وجوهم وأعينهم خاصة كي يتجرأوا ويستفسروا عن تلك الأشياء التي تدور بخاطرهم، وهذا إن دلّ فإنّه يدل على أن العاملين في هذه المدينة خضعوا لدورات تثقيفية حول طريقة التعامل مع الأطفال وطريقة تحفيزهم وتعزيز الثقة فيهم للانطلاق في المدينة بثقة ومرح وحماس طفولي دائم.

تضم مدينة كدزانيا مجموعة من الأطفال من مختلف الدول، وهذا يؤدي بالتالي إلى نوع من التواصل بين الأطفال بعضهم البعض، فتلك المهن الموجودة في كدزانيا تعرف الأطفال عليها عن طريق عيش تجربة، فيختار الطفل مجموعة من المهن التي يرغب بمعرفتها كالطب والإطفاء والإذاعة والصحافة والمحاسبة في السوبرماركت والفندق وغيرها الكثير، ويعطى بعد العمل فيه عملة كدزانيا كراتب يستطيع بواسطته شراء تذاكر عن المدينة وفي نفس الوقت يتعرف على مهنة الصيرفة، فعند الدخول إلى المدينة الطفل شيكًا ليصرفه من البنك الموجود فيها لشراء ما يرغب به.

تلك المهن تؤدي بالتالي إلى التواصل بين الأطفال ببعضهم البعض، فأهم نقطة هو التواصل والحديث الذي سيؤدي إلى جعل الطفل يحدد خياراته بنفسه بعد ذلك، فاختارت تيماء أن تكون طبيبة أطفال ومن ثمّ عملت في مصنع الحليب وصنعت كعكة عيد ميلادها في مصنع الكاب كيك مع الأطفال، وموزعة للبريد وغيرها، هذا التنوع في خيارات المهن المختلفة يجعل الطفل يحدد خياراته المستقبلية بإعطائه حق التجربة.

أجمل ما في المدينة أن استقلالية الطفل هي الأهم، فلا يسمح للآباء والأمهات بالمشاركة في الفعاليات والأنشطة تلك، فقط يتفرجون عبر زجاج المباني على عملهم، فهذه المدينة هي ملجأ للأطفال للحصول على إبداعهم بفرح وسرور باعتمادهم الكلي على أنفسهم.

عند خروجنا من المدينة بعد مرور الأربع ساعات بسرعة لم أتوقعها تمنيت أن تتوفر مثل هكذا أنشطة في عمان، فأطفالنا يستحقون هذا الاهتمام خاصة وأن الإجازة الصيفية على الأبواب والأشهر الثلاثة ستكون مليئة بالكسل والخمول وحرارة الأجواء بدون تفعيلها بشكل يدعو للمرح والثقافة في ذات الوقت، فالإجازة الصيفية بالنسبة للكثير من أبنائنا نوع من الخمول ومشاهدة التلفاز طول الوقت، بسبب ارتفاع شدة الحرارة وعدم توافر رحلات جماعية تخييمية لمن هم في سنهم وأنشطة حقيقية لقضاء تلك الفترة بصورة إبداعية متكررة، فهذه الإجازة هي العقبة التي لا يعرف الأهل كيف سيقضي الطفل خلالها وقته، وغالباً لا يتم التجهيز لها، وإن توافرت برامج فللأسف تكون برامج مكلفة بالنسبة للعائلة ذات الدخل المتوسط، وبالتالي يفقد الطفل تلك الأهمية المفترض توفيرها له خلال الإجازة للاستفادة منها على نحو صحيح وصحي بالنسبة إليه، لذلك حتى متى يتم تجاهُل الحاجة الملحة والأساسية لتوفير مدن خاصة للأطفال للقيام بما يرغبون به من أدوات ترفيهية وتثقفية وهي في ذات الوقت تساعد في استثمار الوقت بصورة مُرضية؟.

عادلة عدي