ليس من السهل أن تكون مواطنا

 ليس من السهل أن تكون مواطناً، هذه حقيقة تتأكد لي يوماً تلو الآخر، لأنّ كل شيء يحدث يلصق في النهاية بالمواطن، فكل الشعارات التي ترفع باسم المواطن، وكل المؤسسات التي تفتح من أجل المواطن، وكل الاجتماعات التي تعقد هي من أجل المواطن، وكل القوانين التي تصدر من أجل المواطن، وكل المناقصات الضخمة التي تفتح من أجل المواطن، وكل الاتفاقيات الاقتصادية من أجل المواطن، وكل المشاريع من أجل المواطن، وكل المحاضرات والتوعية من أجل المواطن، المواطن يستحوذ على كل الاهتمام، وعلى كل الرعاية، ويجعل الجميع يقوم بخدمته، من حكومة، ومجالس برلمانية وبلدية، وجمعيات، وأندية، وصحف، ومنتديات إلكترونية، وبذلك يستحوذ المواطن على كل الاهتمام والرعاية، ويوجه الجهد المؤسساتي الحكومي والأهلي من أجله ولكنّه غير راضٍ رغم كل هذا التفاني من قبل الحكومة، يرفع صوته عالياً، ينتقد قراراتها، …وسياساتها، ومسؤوليها، وكل شيء تعمل لم يعد جميلاً حتى ولو كان لصالحه، وكل قرار تصدره أصبح مشكوكًا في أمره، وكل مسؤول تعينه هو في نظره غير مؤهل، وكل مناقصة تعملها مبالغ فيها، وكل وعود تقطعها ..لا يمكن التسليم بها ..لماذا لم يعد من السهل أن تكون مواطناً عمانياً؟ لماذا فقد المواطن القدرة على الثقة؟ وهي الأساس لنجاح أي شيء داخل البلد.

ليس من السهل أن تكون مواطناً عمانياً، لأنّك تحتاج لأن تكون على درجة عالية من العبقرية ..لتفهم ما يجري حولك، ولتصل إلى يقين بما يقدم لك، ولتحصل على إجابات صحيحة ومقنعة لعدد كبير من الأسئلة التي تدور في ذهنك، والتي تضغط عليك بشكل يومي، لماذا يتم استغلالي بشكل يومي من قبل الجميع؟ من قبل البرنامج الإذاعي الذي استمع إليه في ذهابي وإيابي من العمل والذي يحذرني من الإسراف والاستهلاك بدلاً من أن يرفع وعي بكيفية التعامل مع الاحتكار الذي يسود البلد والذي يجعلني أخاطر بقطع مسافات طويلة من أجل الحصول على سلع بشكل أقل، يتم استغلالي من قبل المدرسة التي تدفعني كل يوم إلى نقل أولادي إلى مدرسة خاصة لعلها تكون أفضل منها، وبذلك تحملني نفقات تفوق كاهلي، وتفقدني التمتع بأحد الحقوق المهمة وهو حق التعليم لأبنائي، ومن قبل المستشفى أو المركز الصحي الذي يحرضني أيضًا على عدم المجيء مرة أخرى إذا كنت سأنتظر لفترة طويلة أو لن أحصل على التشخيص الجيد، أو حتى لن أجد كل الأدوية التي أحتاجها، ومن قبل محلات التسوق التي لا توفر لي الأغراض التي أحتاجها وبالجودة المناسبة التي تتناسب مع ما أقوم بدفعه للحصول عليها، لماذا أدفع كل هذه الرسوم بشكل سنوي …عند شراء أرض أو بيت، أو شقة أو إجراء تعديلات عليها… لماذا أنا الطرف الذي دائمًا لابد أن أدفع لخدمات هي في الأساس حقوق أكد عليها النظام الأساسي للدولة، لماذا يتم استغلالي من قبل شركات الاتصالات بهذا الطريقة في زمن التطور التكنولوجي؟ لماذا احتاج أن أقبل كل هذا؟.

ليس من السهل أن أكون مواطناً عمانياً، لأنني اكتشف كل يوم أنني مهما كنت واعياً، فلن أفهم لماذا أنا غير قادر على حماية المال العام؟ ولماذا كل هذا التلاعب الذي حدث في مختلف المؤسسات والمشاريع خلال العقود الماضية؟ ولماذا حين يكون الإنفاق على المواطن نكون على أعلى درجة من الدقة بينما لا نكون كذلك في أوجه الإنفاق الأخرى؟ ألست أنا العنصر الأهم في هذا البلد، وأنا غاية التنمية ووسيلتها، لماذا أذن أعتبر مواطناً غير صالح عندما أقوم بتوجيه سياسات التنمية طالما أنا غايتها، أريدها تنمية من أجلي …لا من أجل تعزيز ثروات شركات وأفراد.

ليس من السهل أن أكون مواطناً عمانياً، لأنني أشعر أنني احتاج للكثير من الزمن لأخرج كما خرج آخرون من عفويتي، وبساطتي، حتى استطيع أن أواجه كل هذه التجاوزات التي أتعرّض لها، فهي تتم بطريقة احترافية وأحياناً قانونية …وأنا لا أملك الوقت لكي أنفق حياتي أتعلم حتى لا يتم استغلالي …أريد من المؤسسات التي انتخبتها ..والتي قيل لي إنّها تعمل من أجلي …أن تحميني …من مختلف الجهات كانت حكومية أم خاصة .. ونحن قمنا بعمل محميات كثيرة للحيوانات والكائنات البحرية …وحددنا من يقوم بحراستها .. فلا بأس أيضاً أن أتمتع أيضًا أنا بالحماية في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية، فلم يعد لديّ طاقة لأتحمل الأخطاء الطبية والأخطاء التعليمية والأخطاء الاقتصادية، ما بقي لدي من طاقة أريد أن استجمعها لأتمكن من مواصلة مواجهة العمل.

ليس من السهل أن أكون مواطناً عمانياً، لأنني أرى أننا نبتعد اليوم عن مواجهة متطلبات المستقبل، بالانشغال بنقاشات كثيرة وموسعة كل يوم، في الوقت الذي يجب أن ننظر إلى مستقبلنا ونحدد رؤيتنا ونبدأ في تنفيذها …فكثير من الإشكاليات لا تحتاج إلى كل هذا الانتظار، وكثير من المشاريع لا تحتاج إلى كل هذه الأموال، وكثير من القوانين لا تحتاج إلى كل هذا الجدل، وكثير من التطوير الذي وعدت به المؤسسات لا يحتاج لتظهر أولى معالمه إلى كل هذه السنوات، نحتاج فقط أن نبدأ بإرادة وإدارة فاعلة.

ليس من السهل أن أكون مواطناً عمانياً، لأنني أجد الجميع يشيد ببساطتي وقيمي وتسامحي …ولكن هي الثلاثية التي جعلت الجميع يقوم باستغلالي .لكن ليس من السهل أن أتخلى عنها ..فليس من السهل أن أكون عمانياً بدونها، وليس من السهل أن يحدث انتقال نوعي في البلد بدون عملي وفكري وانتمائي …وإن قلت لا لبعض القرارات التي صدرت مؤخراً … وقد تصدر لاحقًا.. فذلك يعني ليس من السهل أن أكون مواطناً عمانياً، الأمر يتطلب أن أكون صادقاً وشجاعاً من أجل وطني.

د. سيف بن ناصر المعمري 

صحيفة الرؤية