عين على الإعلام الاجتماعي في السلطنة

إطلالة على خط زمني يمتد لحوالي ستة أعوام حريّة بأن تحمل الكثير من المؤشرات. جاء هذا الخط الزمني ليمحو مرحلة كان غالبية المستخدمين فيها يتمترسون خلف الأسماء المستعارة في المنتديات، يصيبون الهدف أحيانا ويخطئونه أحيانا أخرى، ليصل إلى مرحلة يتواجد فيها كبار المسؤولين بدوام كامل عبر تويتر وإخوانه.   التأثير المتبادل بين الشبكات الاجتماعية والشارع في السلطنة ليس حديث العهد إذا ما قورن بعمر الشبكات الاجتماعية نفسها بين المستخدمين العمانيين. بل أنها كانت منصة للترويج للنزول إلى الشارع من أجل التغيير منذ سبتمبر 2009 أيام الحملة التي نظمها مجموعة من المدونين ضد إنفلونزا الخنازير جابوا فيها الأسواق والأماكن العامة للتوعية وتوزيع أدوات الوقاية. غير أنه وقبل مدة ليست بالبعيدة، كان المشهد على الإنترنت لا يرتبط بشكل وثيق بالمشهد الواقعي على الأرض. لكن ومع ارتفاع نسب انتشار الأجهزة الذكية من جهة ومنصات التواصل الاجتماعي والتراسل الفوري من جهة أخرى، بالإضافة إلى تكامل تلك المنصات فيما بينها، أدى إلى بدء مرحلة جديدة تعكس فيها الشبكات الاجتماعية أفكار وآراء وهموم الشارع العماني كماً وكيفاً.

وبالرغم من ذلك إلا أن علاقة المستخدم العماني العادي لهذه المنصات قد تشوبها الدهشة، حيث أن طريقة استخدامه لها توحي بأنه لا يزال منبهرا سواء بالتقنية ذاتها مثل الوسوم على تويتر أو بالإمكانات التي تمنحه إياها تلك المنصات كالتواصل المباشر مع مؤسسات كبرى أو مسؤولين كبار، أو حتى القدرة على التعبير عن رأيه علنا بمنتهى السهولة. كما أن النضج الذي وصلت إليه مستويات الاستخدام قد لا يقابله نضج في كيفية الاستخدام أحيانا. في تويتر مثلا يمتلئ المشهد بإعادات التغريد الهستيرية لمجرد ورود اسم الشخص في تغريدة ما خصوصا وإن كانت تحمل مديحا أو تحية عابرة – وما أكثرها – دون أن يحقق ذلك فائدة مرجوة.

كما أنه وفي أحيان كثيرة يسترسل المستخدم في الحديث عن ما يتعلق بالشبكات الاجتماعية من مصطلحات ومفاهيم دون تحقيق نفع حقيقي، كمن أعطي قلما لكي يكتب شيئاً ذا قيمة فإذا به يكتب عن القلم الذي بين أصابعه.   ما يعانيه التواجد العماني في الشبكات الاجتماعية هو ندرة الأصالة في المحتوى – وأتخذ تويتر مثالا مرة أخرى لأنه أكثر الشبكات انفتاحا وقابلية للقياس – حيث تكثر أو فلنقل تتكاثر الحسابات الإخبارية دون أن تحمل جديدا يضيف إلى المشهد. وإذا ما راقبنا هذه الحسابات بعين فاحصة لوجدنا معظمها تنقل أخبارها من مصدر أو أكثر تتواجد كلها على المنصة ذاتها مثل وكالة الأنباء أو التلفزيون أو الوسائل الإعلامية أو بعض الإعلاميين أو بعض المؤسسات الرسمية. كما تفتقر معظم هذه الحسابات إلى الاحترافية سواء عبر التحدث بصيغة المتكلم الفرد أو الدخول في محادثات جانبية أو حتى التعبير المباشر عن رأي صاحب الحساب، مما يؤثر على مصداقية الحساب إن وجدت.

وإن كانت الأصالة عملة نادرة في مشهد التواصل الاجتماعي العماني، والتي وصفها الرئيس التنفيذي لتويتر في مقابلة له قبل شهر بأنها مفتاح أي تغريدة ناجحة، فإن التخصصية باتت أحد مطالب المرحلة المقبلة نظرا للثراء الذي يمكن أن تضفيه على معارف الجميع وتوسيعا لمداركهم. ويمكن ربط التخصصية بحاجة المستخدم إلى بناء هوية شخصية يتميز بها أو على الأقل يُعرَف بها بين آلاف المستخدمين. وجدير بالحسابات ذات الشعبية الواسعة أن تقود هذا التوجه وتؤسس ثقافة للتخصصية وبناء الهوية وأن تبتعد عن الإفتاء في كل شيء لأن ذلك قد يؤثر على مصداقيتها وحتى مرجعيتها في المجالات التي تتخصص فيها أصلا.  كما تبرز أيضا أهمية التعددية في الرأي بين المستخدمين دون استقطاب أو تطرف أو وصاية. ولنا في خطاب السلطان منذ ما يربو على العامين دليل على أهمية تعددية الرأي “لأن في ذلك دليلا على قوة المجتمع وعلى قدرته على الاستفادة من هذه الآراء والأفكار”.   أما فيما يتعلق بالتواجد الرسمي للمؤسسات والمسؤولين، فقد شهدت الشبكات الاجتماعية تهافتا من قبل الشركات والوزارات والهيئات وغيرها من المؤسسات إضافة إلى مسؤولين بمستويات مختلفة. وتختلف الدوافع كما يبدو خلف دخول تلك المؤسسات حيث يدخل بعضها بإيعاز من رئيس المؤسسة، وبعضها باجتهاد من بعض الموظفين المهتمين بالإعلام الاجتماعي بغض النظر عن ما إذا كان ذلك ضمن مهامهم الوظيفية في تلك المؤسسة أم لا، بينما تدخل مؤسسات أخرى لتسجيل الحضور لئلا تكون خلف الركب. وتفتقر معظم المؤسسات إلى وجود رؤية واضحة حول أداءها في الشبكات الاجتماعية وربما تتفاجأ بعدها بأن الأمر أكثر تعقيداً مما بدى عليه قبل دخولها. وتندر المؤسسات التي تتبنى استراتيجية واضحة قد يجوز لنا حصرها ضمن مؤسسات القطاع الخاص نظرا لأسباب تتعلق بالتنافسية والربحية وبناء الهوية التجارية.

غير أن ذلك لا ينفي حق بعض المؤسسات الحكومية في الإشادة لأداءها الفاعل بغض النظر عما إذا كانت تمتلك استراتيجية لوجودها أم لا، والذي قد يؤثر أصلا على أداءها على المدى الطويل.   إن ما يتطلبه الوضع بالنسبة للمؤسسات الرسمية أن تشرع في تطوير استراتيجيات واضحة وطويلة المدى تضمن تحقيق ثلاثة عناصر أساسية أولها ثبات الأداء مهما اختلفت الظروف وتخالف الأفراد، وثانيها التكامل بين الشبكات الاجتماعية من جهة وبينها وبين قنوات التواصل الأخرى التي تتبناها المؤسسة، أما ثالثها فهو المرونة والتي تمكن المؤسسة من مواكبة متغيرات منصات التواصل الاجتماعي. كما ينبغي أن تولي المؤسسات اهتماما بمعايير اختيار الموظفين الذين يديرون حساباتها في الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى الأهمية البالغة لعامل التمكين من أجل أن يتمتعوا بالحرية واستقلالية اتخاذ القرار والقدرة على مساءلة الأقسام الأخرى، الأمر الذي سينعكس إيجابا على أداء حساباتها عبر الشبكات الاجتماعية.

وقبل ذلك كله فإن على المؤسسات أن تحدد أولا غايتها من دخول الشبكات الاجتماعية من أجل أن تركز جهودها على تحقيق تلك الغاية.   أما بخصوص المحتوى الذي ينبغي أن تضعه المؤسسات في الإعتبار فإنه يجب أن يتمتع بميزتين من أجل أن يلقى إقبالا من الجمهور، أولاهما أن يكون المحتوى ذا قيمة، وثانيهما أن يكون ذا علاقة بالجمهور. بالإضافة إلى ذلك فإن محدودية عدد الأحرف يتم التعامل معها أحيانا كما لو أنها آلة كاتبة من الطراز القديم تنتهي الجملة مع رنين جرس انتهاء السطر في الآلة، فيما يتطلب الأمر صياغة المحتوى على هيئة أفكار مستقلة ومترابطة بحيث تستساغ الرسالة المراد إيصالها. كما أن عامل التوقيت مهم بالنسبة لطرح المحتوى على الشبكات الاجتماعية لأن العملية تختلف عن تحديث المواقع الإلكترونية التي يمكن أن تحدث في أي وقت. المثير للانتباه أنه أثناء كتابة هذا المقال تقوم مؤسسة بتحديث حسابها على تويتر بعد منتصف الليل بتوقيت مسقط، متجاهلة بذلك عامل وقت الذروة في استخدام الجمهور الأمر الذي يفوت عليها الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة منهم.

وإذا تحدثنا عن حسابات المؤسسات فإنه يتوجب أيضا الحديث عن الشركات الناشئة في مجال الإعلام الاجتماعي، والتي كان لها دور مهم في نمو القطاع ودفع المؤسسات الرسمية إلى التواجد عبر الشبكات الاجتماعية. حيث آن الأوان لهذه الشركات أن تتحول من طور الهواية إلى طور الاحترافية من أجل أن يساهم ذلك في تطور هذا القطاع. كما أنه من المهم أن تبادر تلك الشركات إلى الاستثمار في نفسها عن طريق الاشتراك في الأدوات المتاحة عبر الإنترنت والتي تمكنها من أداء دورها بفاعلية أكبر. بالإضافة إلى ذلك فإن توظيف الإبداع في هذا المجال سيساهم في الإرتقاء به بعيدا عن المعيارية انطلاقا من مبدأ أن المقاس الواحد لا يناسب الكل.   عموما فإن استعراض ملامح التواجد العماني على الشبكات الاجتماعية يتطلب الكثير من النقاش والتحليل والتقييم في جوانب عدة، وخلاصة القول أنه لا يمكننا في أي حال من الأحوال استطلاع المستقبل بالنظر عبر المرآة الخلفية. حيث أنه من المهم أن يتخلص المستخدم من ثقافة المنتديات ويبدأ في تطويع الشبكات الاجتماعية التي لا حدود لإمكانات استخدامها بما يعود بالنفع عليه في بناء هويته الشخصية، وعلى الجمهور حوله بتحقيق الفائدة، وعلى وطنه كمظهر من مظاهر قوة المجتمع العماني.

بدر الهنائي
alhinai.bader@gmail.com

1 تعليقك

Comments are closed.