تدعو اغلب الأنشطة الثقافية إلى القراءة وأهميتها للفرد والمجتمع، وعلاقة القراءة بالتنمية الفكرية ودورها في تفعيل المهارات للأفضل، ولكن ماذا عن الكتابة؟ ماذا عن مهارات الكتابة لدى الأفراد؟ وأعني ما تنبثق عنها تلك القراءات من ردود فعل كتابي حولها، فما يحدث في مواقع التواصلكالواتساب والفيس بوك أو التويتر من مساهمات في تعزيز القراءةلدى الأفراد– كمايظنالبعض- لا تساهم في المجال الكتابي، وللأسف فأن تلك القراءات عبارة عن قص ونسخ لبعض ما كان يحدث في المنتديات الإلكترونية ليس إلا، أو محصورة في مجال النكتة أو الأدعية الدينية، أو تناقل الإشاعات المختلفة، فما هو حال الكتابة في المستقبل القادم؟ خاصة بعد تأثير تلك المواقع على حياتنا من جميع الجوانب، هل ستكون هناك من إبداعات كتابية لم يكتب التاريخ عنها؟
****
تعمل التكنولوجيا على جعل حياتنا أسهل وأفضل وأسرع بالتأكيد، مما يؤدي بالتالي إلى انقراض الأشياء الحميمة التي كونت معها علاقة فكرية جميلة كالقلم والورقة، القلم رفيق اليد والفكر، سلاح المثقف الدائم، فاستبدلناه بالكيبورد ومن ثم بشاشة اللمس ننقر على تلك الحروف فتظهر لنا تشكيلة من الكلمات مخيره من الشاشة قبل أن نخط بتلقائية تلك الجملة التي تدور برأسنا، والتي ساهمت في الوقت الحالي كذلك بزيادة السرقات الإلكترونية عن طريق الاعتماد الكلي على معلومات محرك البحث في الأنترنت.
****
من المشاهدات حول الكتابة باليد لدى فئات الطلبة تحديداً نجد أن أغلبها لا تهتم بضرورة أن يكون خط الكتابة واضح وجميل، بل قد يكاد يكون غير مقروء بالمرة، فأغلب الطلبة الآن يعتمدون في الكتابة على أجهزتهم الإلكترونية من هاتف أو حاسوب، وقد تنمي هذه التقنية المقدرة في معرفة شكل الكلمة ولكن لا تساعد على تنمية فن الكتابة بالقلم أن اضطر ذات يوم على الاستعانة به، ففن الكتابة باليد ( خط اليد) يعتبر بصمة فريدة يتميز بها كل فرد عن آخر، وقد استعانت به المختبرات الجنائية أو التاريخية في معرفة صاحب الخط ومشاعره لحظتها، فالوقت الذي تستهلكه بالكتابة عن طريق اليد يساعدك على التواصل مع جسدك وتنشيط تجربتك الكتابية، ولكن من منا قادر الآن على كتابة مقال أو كتاب بخط يده كاملاً بدون الاستعانة بالكيبورد واقصد من الذين عايشوا تجربة الكتابة عن طريق الحاسوب لفترات طويلة؟
*****
تساهم الكتابة عن طريق الحاسوب(مايكروسوفت ورد) على تسريع الإنتاج الكتابي وتحريرها، بالإضافة إلى التصحيح التلقائي للأخطاء الإملائية والنحوية كذلك، ولكن الاعتماد الكلي عليها من قبل الكاتب ستؤدي إلى أثبات عدم تمكنه من اللغة وقواعدها فالحاسوب غير ملم بتلك القواعد 100%، وكفاءته في معالجة النصوص غير احترافية، لذلك لا يزال الكاتب بحاجة للعودة لمن لديهم تلك الكفاءة لتصحيح أخطاءه الكتابية.
****
لازلت احتفظ بتلك القصاصات الورقية لرسائل الصديقات من أيام الدراسة، ولا تزال تلك المذكرات ترسم الأمنيات الجميلة من قبل المعلمات أو بنات العائلة بخط اليد، أو بطاقات التهنئة في المناسبات التي تركت على ورق الهدايا، فليس هناك مجال لمسح وحذف ما تخطه اليد على الورق من كلمات في ذاكرة الورق، ولكن حين نكتب رسالة لشخص ما بخط اليد في الوقت الحالي فغالباً ما تكون لتعاملات رسمية، وقد تجرم بسببها!!
****
عادة الكتابة اليومية أو ما يسمى المذكرات، أضحت في الوقت الحالي نوع من ترف الوقت الذي لا يملكه الكثيرون، فتخصيص وقت لمدة عشر دقائق تكتب فيه مشاعرك أو رأيك في موضوع ما أو أفكار تخطر بالبال ليست بذي الأهمية، فالتكنولوجيا قد تكون سهلت لنا الوقت للتفرغ لأشياء مختلفة في الحياة ولكنها جعلتنا ندمن كذلك على أشياء لا تفيد، كالإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي والدردشة الفارغة من الحوارات المتكررة، والتدخل بخصوصيات الغير بصورة تقنية مستحدثة من التهكير وغيره، وبالفعل أصبح العالم قرية صغيرة في صندوق صغير كالهاتف النقال تتناقل عبره المواضيع التي لا تدخل مختبر الدقة.
***
في فترات الدراسة كنا نقلق من عدم المقدرة على كتابة الجملة بصورة صحيحة في المستقبل وكانت المعلمة تضرب أصابعنا بالمسطرة كي نتمكن من تحسن خط اليد أو تكرار العبارة لعشرات المرات حتى نتقنها، ولكن في الوقت الحالي ما الذي يجعل الطالب يقلق على خطه في التعبير في ظل اكتساح التكنولوجيا جميع أدوات الكتابة في مستقبله ؟!
****
تسهم الكتابة في تعريف الآخرين عن ما يدور في رأسك من أفكار، فهي تعزز التساؤلات التي قد لا تجد لها الإجابة حينما تحاول البحث عنها، ففعل الكتابة يعزل تأثيرات الأخرين كنزيف فكري من رحم الفكر لذاتك، كما أنها تصقل ثقافتك الناتجة من القراءات المختلفة، بالإضافة فأنها تساعدك على اكتشاف ما بداخلك من أفكار وترتيبها بما يحسن طريقة التواصل بينك وبين ذاتك أو التعامل مع الآخرين.
****
“كي تكون كاتباً جيداً يجب أن تكون قارئاً بارعا”
القراءة والكتابة ميزان الفكر، قد نتقن القراءة ولكن هل نتقن الكتابة؟ وهل حينما تكون قد قرات كتاب واحد فهذا يعني أنك قادر على كتابة الأف الكتب، وهل عندما تنشر كتاب واحد فهذا يعني أنك قارئ جيد؟ قد لا تعني هذه الأسئلة أحد وقد لا تكون الإجابة عليها ذات أهمية للبعض، ولكن في مجال الثقافة فهي تعني الكثير، فهي تدل على المستوى الذي يضم خلفه الكتاب من أفكار تضيف للقارئ متعة وفائدة صحيحة أدبية كانت أو علمية، فكل ما يكتب الآن يخضع للمجال النفسي والتدقيق العلمي لصحة ما كتب فيه، فالكتابة بجميع أشكالها ( الأدبية ، السياسية ، الاجتماعية ، التحليلية والعلمية وغيرها) ترسم التاريخ البشري للكائن الوحيد القادر على ترك أثر الكون في كتاب.
عادلة عدي