داعش في كتاب ملوك العرب

 عندما اعلنت داعش قيام الدولة الاسلامية في العراق والشام، وكانت تتحرج من اللقب – داعش – في البداية، لم يكن أحد يتخيل أن توزع عنفها على دولتين، وتذيق شعبهما العذاب والقتل والتهجير، وتحارب كل الجماعات المسلحة في البلدين، فهي لا تتحالف مع أحد، ولا تسمح بقيام أي تنظيم أمامها، لأن النظام ليس من ابجدياتها، بل الفوضى والرعب والقتل والتعذيب والتشفي من الخصم هي ما تؤمن به داعش، التي احتار البعض في من يدعهما و يقف خلفها، لكن الجواب على ذلك السؤال لا يحتاج إلى تفكير عميق ولا تحليل موسع، إذ تستهدف داعش بالدرجة الأولى الأمة العربية، وشعوبها، ومكونات الدول وأسس قيامها، من الجيش والأمن والشعب وحتى البنى التحتية، وحتى المقامات والأضرحة، فهي تهاجم الأحياء والأموات على حد سواء.

كما حاربت الفصائل المسلحة – أيا كانت انتماءاتها ومرجعتيها- وعامة الناس والأطفال في سوريا والعراق، وجل ضحاياها من العرب والأقليات الدينية، وقليل من الأكراد، ولذلك فإن ممولي داعش هم أعداء الأمة العربية سواء الكيان الصهيوني وداعميه من الدول الغربية، أو بعض الأنظمة العربية الرجعية في المنطقة، التي مولت داعش في البداية قبل أن ينقلب السحر على الساحر.

إن من يبحث في التاريخ عن قيام حركات مماثلة لداعش  ترفع كلمة التوحيد، وتقتل وتذبح باسم الرب، فإنه سيجد على سبيل المثال حركة (الإخوان) التي قامت في نجد والحجار، وهذا ما يشير إليه الكاتب اللبناني أمين  الريحاني (1876- 1940) في كتابه (ملوك العرب، ج1) قائلا:” من هم الإخوان ؟ من هم اولئك الوهابيون الذين يردد الناس في الناس في قطر من الأقطار العربية اسمهم مستعيذين بالله؟. الإخوان هم الفئة المحاربة، الفئة المتعصبة، الفئة المدّينة جديدا في الوهابية، الإخوان هم جنود عبدالعزيز بن سعود، الذين كانوا بالأمس من العرب الرحل، من البدو الجاهلي، فدَينوا أي وضعوا بدين التوحيد فصاروا مسلمين، وهم في غلوهم يعتقدون أن من كان خارجا عن مذهبهم ليس بمسلم، فيشيرون إلى ذلك في سلام بعضهم على بعض.

“السلام عليكم يا الإخوان، حي الله المسلمين، واذا سلم عليهم سني أو شيعي فلا يردون السلام”.

وها أن الاخوان في هذا الزمان – الكلام للريحاني هنا – يحملون البنادق والبيارق باسم الله، فيحملون أو كانوا يحملون على كل من لا يدين من العرب، وكأني بهم لا يرون خيرا في حياة لا اكراه فيها على التوحيد، فينادي الأخ منهم ممتشقا حسامه أو رافعا بندقيته: أنا خيال التوحيد أخو من طاع الله، بيّن رأسك يا عدو الله، وكانوا رسل الهو ورسل الموت في كل مكان سُمعت فيهم (هوستهم) المشهورة: “هبت هبوب الجنة، أين أنت يا باغيها؟”، فلا الحجاز ينساهم ولا الكويت يذكرهم بالخير، ولا العراق يحسن بهم الظن، ولا الجوف ولا الجبل ولا القصيم يكبّر في ساعة الوغى سواهم، ويردد خوفا واعجابا غير اسمهم، وزرعوا الهول في كل مكان”.

من يقرأ كتاب (ملوك العرب)، سيجد الكثير من الدلائل على نشوء الحركات الدينية المتعصبة، والتي كانت نتاج لفكر متطرف يرى إنه صاحب الحق وغيره على ضلال، ولا يؤمن بالتعدد ولا بالإختلاف، ويحاول بسط فكره ومعتقده على الآخرين ولو بحد السيف، وهذا ما تفعله داعش الآن، والتي تبالغ في التعذيب وفي القتل وتصل إلى تصوير  ونشر ما تفعله على شبكة الانترنت لإرهاب الطرف الآخر.

إن مجابهة فكر داعش ومثيلاتها من الحركات الدينية المتطرفة، لا يمكن أن يُحل بالخيار العسكري والأمني فحسب، بل يجب التصدي له بالأفكار المستمدة من الشريعة الاسلامية السمحة، التي تحفظ الكرامة الانسانية وتصونها، وبالقوانين المدنية الوضعية، التي تحاول منح الانسان حقوقه وحرياته.

 

محمد الشحري