الحــق في النسيـان

لم تعد الشبكة المعلوماتية عبر محركات البحث العالمية ومواقع التواصل الإجتماعية مصدراً للحصول على المعرفة أو تداول البيانات فحسب بل أيضاً مصدراً لمعرفة وتقييم الأفراد من الناحية الإجتماعية والمالية والسياسية، إلا أن هذه المعلومات  – في بعض الأحوال – قد تضر بأصحابها بصورة شخصية كونها لم تعد ملائمة أو غير ذات صلة أو أنها تغيرت بمرور الزمـن، ومن هنـا أنتجت الثورة التكنولوجية الحديثة بما يعرف بحق النسيان وهو ما تبنته بعض القوانين.

ويقصـد بحق النسيان بأنه: حق الأفراد في الطلب من محركات البحث حذف روابط المعلومات المتعلقة بهم شخصياً من نتائج البحث، وهذه المعلومات عادةً ما تتعلق بممارسات شخصية أو تمس بشخصية الأفراد بطريقة مباشرة مثل: سرقة الهوية، والتشهير، والمواد الإباحية التي تم وضعها في الانترنت، حيث يجعل هذا الحق لمستخدم الشبكة العنكبوتية الدولية المكنة في مسح المعلومات التي تنتهك حياته وخصوصياته وتسبب له عدة أضرار لكونها غير قابلة للمسح أو يصعب عليه ذلك لوجودها في خوادم بعض المواقع الإلكترونية.

وقد أصدرت محكمة العدل الأوربية (CJUE)  في عام 2013م قرار ملزم ضد شركة ( Google) ومحركات بحث أخرى بمسح روابط متعلقـة ببيانات شخصية قديمة، على إثر شكوى تقدم بها مواطن إسباني نشر اسمه في صحيفة عام 1998م بصفته مالك عقار لرغبته في بيع عقاره بمزاد علني لسداد ديونه، وبعد تحسن أوضاعه المالية ظلت بياناته على محركات البحث العالمية مما أعاق تجارته وأضر به.

وقد أدى تطبيق هذا القرار إلى قيام محرك البحث جوجل بتمكين خدمة حذف البيانات الشخصية للمستخدمين  الأوربيين التي تتعلق بأسمائهم انطلاقاً من حق النسيان الرقمي الذي فرضته محكمة العدل الأوربية، وهو ما يسهم في تسوية ماضي شخص “مظلم”، ويتوافق مع القاعدة القانونية بأنه لا يجوز معاقبة المتهم عن جريمة واحدة أكثر من مرة، كما أن المبالغة في العقوبة ظلم، لاسيما أن هذه البيانات قد تجعل المرء محط احتقار الناس وبالاسم الصريح.

جدير بالذكر أن هذا الحق من الناحية القانونية به مساس بحقين وهما: حق الخصوصية لشخص المستخدم من جهة، والحق بالمعرفة والوصول الحر إلى المعلومات المتاح للجميع من جهة ثانية، وهنا توجد صعوبة في التقييم بين الاعتبارين لعدم وضوح المعايير الفاصلة بين الخصومة الفردية والمصلحة العامة، إلا أن الاعتبارات التقنية والإجرائية والأخلاقية التي ذكرتها محكمة العدل الأوربية  في قرارها كانت الأكثر تأثيراً في منح هذا الحق للمستخدمين، وقد أثار الفقه القانوني تساؤلاً حول مدى إمكانية شمول حق النسيان لمواقع حكومية مثل أحكام السجن أو الديون أو السرقات أو حذف تاريخ بعض المجرمين والفاسدين على مستويات مختلفة حيث أصبحت هناك ضرورة لإعادة النظر في تكييف مسألة النشر بعد أن أصبح التشهير ممتداً عبر الزمن من خلال المخازن الإلكترونية والمبدأ الشرعي لا ضرر ولا ضرار.

 

المحامية: وفـاء بنت عبدالله الشعيبي

Email: w.alshuaibi@icloud.com