نشرت مدونة أشياء في الخاطر لصاحبها أحمد المعيني مقالا حول الافتراء ضد عمان في مسألة الاتحاد الخليجي، والمقال حسب وصف صاحبه رد في ما قيل عن موقف عمان في الاتحاد الذي بات يواجه مصير الإجهاض المبكر كما وصفته رويترز قبل أيام.
أولا، كانت عُمان ربما أول من دعا إلى وحدة الصف الخليجي أمنيًا في بداية السبعينيات، أي في بداية حكم السلطان قابوس. وهذا أمر مفهوم إذ كانت عُمان تواجه المدّ الشيوعي في الجنوب وتحاربه، لكن السلطان قابوس كان يريد إيصال فكرة هامة لإخوته في الخليج أنّ هذا المد الشيوعي لن يقف في عُمان بل سيسعى إلى اختراق الخليج كله. وأشار السلطان إلى ذلك في خطابه السنوي عام 1972 حين قال:
” وقد اتضح من خلال بيانات وتصريحات ما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي. أن عمان ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي الباب أو المنفذ الذي تصور لهم أوهامهم اقتحامة إلى سائر دول المنطقة لإغراقها في بحر من الدماء والتخريب والفوضى والفقر والإلحاد والسلب والنهب وانتهاك الأعراض… نعجب لاؤلئك الذين يحسنون الظن بالشيوعيين وللمتهاونين الذين تخدعهم الشعارات الشيوعية فيتيحون لهم الفرص للاستفادة بها واستغلالها لإشاعة البلبلة والاضطراب وللمخدوعين الذين يقللون من الخطر الشيوعي وأنه بعيد منهم”
ولم يكتفِ السلطان بهذا الخطاب بل أخذ يروّج لفكرة الوحدة عبر لقاءاته مع إخوته القادة في دول الخليج واحدة بعد الأخرى طوال فترة السبعينيات (1). ويقول السلطان في حوارٍ له مع جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 28 أبريل 1973: “الموقف فى ظفار كان أحد الموضوعات الرئيسية التى بحثتها أخيرا مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وقد أكدت له أن دول الخليج تتعرض للأخطار الخارجية تماما مثل سلطنة عمان”، ثم قال في حوار مع مجلة المصوّر المصرية بتاريخ 23 يونيو 1973: “لا ريب أن الاتحاد قوة، وهو إذا أمكن تحقيقه فإنه سيكون الدرع الواقى للمنطقة”.
ثانيًا، كرر السلطان ترويجه لفكرة الوحدة الأمنية في خطابه السنوي لشعبه عام 1975 بشكلٍ صريح حين قال:” لقد حذرنا في خطابنا.. في العيد الوطني الرابع، وقلنا أن الحفاظ على امن المنطقة.. مسؤولية شعوب المنطقة كلها”.
ثالثا، دعت عُمان في عام 1976 إلى اجتماعٍ لوزراء خارجية الدول الواقعة في الخليج بما فيها إيران والعراق لبحث فكرة الوحدة الأمنية ضد أية تهديدات خارجية، إلا أنّ تلك الدول لم ترَ ضرورة ملحة للوحدة (2).
رابعًا، في عام 1979 طرحت عُمان مجددًا فكرة التعاون الأمني العسكري بالتركيز على قضية الملاحة والتجارة عبر مضيق هرمز ضد أية تهديدات، واقترحت أن يتم ذلك بالتعاون مع قوى عظمى لها قدرات عسكرية وخبرة في التأمين. والذي حدث أنّ عددًا من دول الخليج تحفظت على الفكرة، وأبرزها المملكة العربية السعودية التي كانت ترفض أي دورٍ أمريكي في المنطقة، مما يبدو أنه رد فعل على اتفاقية كامب ديفيد (3). وهكذا ذهب الاقتراح أدراج الرياح.
خامسًا، بعد غزو العراق للكويت، ثم تحريرها اجتمع القادة في قمة الكويت عام 1991، وهنا طرح السلطان قابوس بحماسة شديدة فكرة “الجيش الخليجي الموحد” يكون قوامه مائة ألف جندي خليجي، لصدّ أي عدوان وتهديد لأمن الخليج كما حدث من العراق ضد الكويت والسعودية। وقدّم السلطان قابوس ورئيس الأركان العسكرية مشروعًا مفصلا متكاملا، إلا أنّ دول الخليج تحفظت واحدة بعد الأخرى ووأدت فكرة السلطان بدعوى إحالة الموضوع “للدراسة” (4)। وبعد سنوات تم تعزيز قوات درع الجزيرة التي كانت موجودة منذ الثمانينيات ولكن بشكل ضئيل.
كانت هذه إشارات للرغبة العمانية المتواصلة في إنشاء وحدة خليجية عسكرية أمنية، ليس فقط لحماية عُمان بل كامل الخليج، بل إن فكرة الجيش الموحد جاءت في وقتٍ لم تكن عمان فيه مهددة بل الكويت والسعودية. فنتمنى على إخوتنا في الخليج أن يتذكروا التاريخ ويقرأوه جيدًا قبل قذف التهم بين الأشقاء.
وأخيرًا، فإن ما ذكرته آنفًا ليس دفاعًا عن الموقف الرسمي للسلطنة (والذي لم تُعلن أسبابه أساسًا)، ولكن دفاعًا عن التاريخ ضد أي تزوير، ولو كان هذا الكلام قيل عن أية دولة خليجية أخرى لكتبت الشيء نفسه. جلّ ما نريده هو أن نتحاور بهدوء كي يكون بيننا اختلاف لا خلاف، فهكذا يُبنى الاتحاد، ولا يُبنى على التشكيك لمجرد اختلاف في وجهة نظر.
تابع نص المقال بالتفصيل في المدونة