لماذا تجنبت السلطنة الدخول في التحالفات العسكرية في المنطقة والعالم؟

فرضت الأحداث المتسارعة في الوطن العربي بشكل خاص قيام تحالفات عسكرية جديدة على المستويين الإقليمي والعالمي، بدءً من التحالف الدولي ضد تنظيم  “داعش” الإرهابي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والذي انضمت إليه عدد من دول المنطقة وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم التحالف الذي جاء على مستوى المنطقة، وهو التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لقتال الحوثيين في اليمن  الجارة الجنوبية منذ شهر مارس من هذا العام.

وقبل أيام  أعلنت المملكة العربية السعودية عن التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي يضم 34 دولة إسلامية بحسب بعض وسائل الإعلام وسيكون مقره العاصمة السعودية الرياض.

لقد رحبت السلطنة أمس الأربعاء في بيان أصدرته وزارة الخارجية، بالإعلان عن تشكيل ائتلاف بين الدول الإسلامية لمحاربة الإرهاب غير أنها لم تعلن عن مشاركتها فيه، كما نأت بنفسها عن الدخول في التحالفات العسكرية الأخرى على مستويي “المال والسلاح”. فما الذي يقف وراء بقاء السلطنة بعيدًا عن منطقة التحالف والتكتلات العسكرية التي بدأت تظهرا مؤخرا؟

يقول الدكتور خالد العزري، باحث في الشؤون السياسية، بأن هذه التحالفات الآخذة في التكاثر ليست إلا محاولات للبحث عن “ترقيعات” للكوارث المتواصلة التي تمر بها المنطقة، كما يمكن قراءة الأوضاع الحالية المشار اليها كجزء من محاولات بعض أنظمة المنطقة الإلتفاف على مسألتي “الإصلاح السياسي” و”الإصلاح الديني” وهما مسألتان في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمعات العربية والمسلمة ومن دون ذلك سوف تستمر الصراعات بوسائل ومسميات مختلفة، بحسب تعبيره. موضحا  بأنه لا إصلاح ممكن اليوم من دون “النهج الديمقراطي” بكل ما يعنيه المفهوم وليس أقل من ذلك وخاصة إطلاق الحريات ومن بينها تحرر الإنسان العربي من الآيدلوجيات المختلفة التي عانى ويعاني منها يوميا.

وبحسب العزري فإن هذه التحالفات بهذا المعنى ليست “بريئة” فهي على الأرجح جزء من “صراع ايديولوجي” له أبعاده السلبية.

هل للسلطنة انحيازات استراتيجية؟

يرى الدكتور عبدالله الغيلاني، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، بأنه عند تحليل السلوك السياسي لأي دولة، فينبغي أن يكون ذلك وفقاً لمحددات علمية واستراتيجية. بمعنى أن تجري عملية التحليل تلك في إطار كلي يستوعب جملة من العناصر، منها: هوية الدولة، مقوماتها الجيوسياسية، إرثها السياسي، تطلعاتها الإقليمية، والتكوين الفكري والسيكولوجي لصُنّاع السياسات فيها.

ويعتقد الغيلاني بأنه ليس بمقدور أي دولة اليوم أن تضرب على نفسها سياجا من العزلة لا عن محيطها الإقليمي المباشر ولا عن المجتمع الدولي على وجه الإجمال. وتأسيساً على هذه القناعة، لا يتفق الغيلاني مع الصورة الذهنية الشائعة عن سلطنة عمان بأنها دولة تتمسك بالحياد في سياستها الخارجية و تأبى الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك في النزاعات الإقليمية. مؤكدا أن الدبلوماسية العمانية هي التي كرست تلك الصورة النمطية وعملت على تعزيزها عبر أدوات إعلامية و سياسية متنوعة، غير أن تسارع الأحداث والصراعات المرتفعة الحدة التي تشهدها المنطقة العربية منذ خمس سنين بددت تلك الصورة فانتقلت السلطنة بسبب من تلك التحولات إلى مربع الاصطفاف المعلن وتبني مواقف صريحة إزاء الأحداث، وليس خافياً انحيازاتها الاستراتيجية في الأزمتين اليمينة و السورية، بحسب قوله.

السلطنة وعدم مشاركتها في التحالفات العسكرية

وحول عدم مشاركة السلطنة في التحالفات العسكرية التي أشرنا إليها آنفا يقول الدكتور أنور الرواس، أستاذ في قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، بأن عُمان دولة ذات سيادة ومرجعية قوانينها وتشريعاتها النظام الأساسي أو بتعبير أدق الدستور، فالنظام التشريعي يمنع القوات العمانية المسلحة من المشاركة خارج حدود الوطن باستثناء دول مجلس التعاون،  ويرى أن السلطنة تنتهج في سياستها لغة الحوار لأنه السبيل الوحيد لإنهاء كافة الصراعات التي تمر بها المنطقة، ولهذا فهي تقدم المشورة والنصح لمن أراد ذلك وتحث الجميع على تغليب لغة العقل والمنطق حماية للمنطقة وشعوبها من الانزلاق في مزيد من الصراعات، على حد قوله.

وحول ذات السياق يؤكد العزري بأنه على الرغم من أن عُمان من بين الدول التي هي بحاجة إلى إدخال إصلاحات في البنيتين السياسية والدينية كغيرها من دول المنطقة العربية، إلا أنها فعلت خيرا بابتعادها عن الدخول في حروب “لا ناقة لها فيها ولا جمل” وليست من فائدة ترتجى ورائها. بحسب تعبيره.

ويشير الدكتور خالد العزري في سياق حديثه إلى التدخل العسكري في اليمن حيث يقول: اليمن إن كنّا صادقين مع أنفسنا كعرب ومسلمين فإنه “يحرم على المسلم إراقة دم المسلم” كما يرد في التراث الإسلامي، كما أنها بحاجة إلى خطة إنقاذ اقتصادية هائلة والمال الخليجي الذي تمت به مساعدة مصر يمكن أن يساعد بمثله أو أكثر منه اليمن، مشيداً بالقيادة “الحكيمة” في عُمان التي نأت بنفسها عن توجيه سلاح عماني على رأس شقيق يمني، وفق قوله.

أما الدكتور عبدالله الغيلاني، فيرى أن السلطنة لم تكن بعيده عن الانخراط في أحلاف عسكرية بالمطلق، بل انخرطت في بعضها وفقا لمعطيات “اللحظة التاريخية”، ومن ذلك مثلا حرب تحرير الكويت (1991) التي خاضتها السلطنة ضمن التحالف الخليجي كالتزام إستراتيجي فرضته مواثيق مجلس للتعاون.

 وفيما يتعلق بأحدث الأحلاف العسكرية التي اعتزلتها السلطنة، يعتقد الغيلاني بأن الخيط الناظم لتلك التحالفات جميعها هو أنها تتبنى مواقف سياسية مجانبة لموقف سلطنة عمان إزاء الأزمتين السورية واليمنية، وهذا يرتب افتراقا في المرئيات الاستراتيجية والتداعيات والإلتزامات الأخلاقية، أي أن غياب المشتَرك الاستراتيجي هو العنصر المحوري الذي فرض خيار الاعتزال.

 عدم الانضمام لا يعني العزلة

وحول ما إذا كان عدم انضمام السلطنة للتحالف العسكري سيؤدي إلى عزلتها عن دول المنطقة، يؤكد الرواس بأن عدم مشاركة السلطنة في هذا التحالف أو غيره لا يجعلها في عزلة بل شريك فاعل ومؤثر نظرا لمكانتها التاريخية واستقلالية رأيها، بحسب تعبيره.

في الوقت نفسه لا يعتقد العزري بأن حياد عُمان سوف يعني عزلتها. على الأقل ليس على المدى المتوسط والبعيد، ويضيف، أن تقف على الحياد من تحالفات غير مدروسة أو ليست بأهداف واضحة أو متفق عليها وليست معلومة الهوية فضلا عن الأسئلة الكثيرة التي تدور حول أهميتها وإمكانيات تطبيقها؛ فإن الانتظار – إن لم يكن البعد ممكنا- فيه خير. بحسب رأيه.

ويشير العزري إلى أن الأوضاع الاقتصادية الحالية وتعقيدات الوضعين العربي والإسلامي على الأقل  تدعوان العاقل من صناع السياسة إلى “التريث” وعدم الزج في أتون تحالفات تنبت كالفطر وسوف تموت، كما حصل قبلها مع تحالفات أخرى شهدتها المنطقة وما أكثرها وللأسف نحن اليوم كعرب أقرب لمن يسير “برأس مقطوع”. على حد تعبيره.

ويوافقهما الدكتور عبدالله الغيلاني الرأي في أن اعتزال عُمان للتحالفات العسكرية لن يُفضي إلى “عزلة سياسية”، إن هي أحسنت إدارة مصالحها على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

 وأردف كلامه قائلا: لا ريب أن العلاقات العمانية – الخليجية قد تأثرت سلبا جراء خروج السلطنة على الإجماعات الخليجية في أكثر من مناسبة، ورفضها المشاركة في التحالفات العسكرية، وأخشى أن ينتج عن ذلك الفتور تداعيات سالبة على السلطنة خاصة وهي تتأهب لمواجهة سلسلة من التحديات الاقتصادية، و تترقب تراجعات حادة في مواردها المالية خلال السنوات الخمس القادمة، و كان يمكن الاستظهار بالحليف الخليجي في التصدي للأزمة المالية. وفق رأيه.

مريم البلوشي – البلد