توقظك أحيانا بعض المستجدات اليومية من غفوتك لتجد نفسك محاطا بالتساؤلات والحيرة معا عن وجودك كإنسان ومسؤوليتك تجاه نفسك والآخرين وقيمتك كمواطن في حيز جغرافي معين، ثم تزداد المعاناة أكثر حينما تجد أن القوانين التي تنظم حياة الإنسان وعلاقته مع محيطه هي آخر ما يُعمل بها، ناهيك عن جهل العامة لها، والأمرّ من ذلك أن تجد بعض المؤسسات لا تراعي قوانين البلد، وهذا ما يجعلنا نخشى أن يكون مفهوم المؤسسات والقانون هو شعار برّاق يستهلك في الإعلام أكثر من تطبيقه على أرض الواقع.
هذا ما شعرت به حينما أتصلت بي إدارة المدرسة العالمية بصلالة (بيرلا) بعد طردهم لطفلتي البالغة من العمر أربع سنوات من الصف التمهيدي، تحت مبرر عدم تسديد الرسوم الدراسية، علما بأن الطفلة قد التحقت بهذه المدرسة منذ عامين في الروضة ثم التمهيدي، إذ أصبح التعليم ما قبل الأساسي واحدا من أهم الأسس في تكوين شخصية الطالب في التعليم المستقبلي، وهذا ما تشجعه القوانين الدولية وتعمل به السلطنة، إذ تنص المادة (30) من قانون الطفل العماني على أن ” للطفل دون سن التعليم ما قبل الأساسي الحق في الانتفاع بخدمات دور الحضانة التي هو مؤهل للالتحاق بها، وتشجع الدولة إنشاء دور الحضانة في الجهات الحكومية والقطاع الخاص التي ترى الوزارة أن عدد الموظفات أو العاملات فيها يقتضي وجود دار حضانة وتقدم لها الاعانات التي تساعد على تحقيق أهدافها”.
وبالعودة إلى مسألة الطرد فإن إدارة المدرسة قد أتصلت بنا في أكثر من مرة لتذكرنا بموعد التسديد ولكن لسبب أو آخر جعلتنا ننسى موضوع الرسوم، وصبيحة يوم أمس اعلمتنا الإدارة أن طفلتنا مطرودة مع أطفال أخرين، وهنا تساءلت عن أسباب لجوء مديرة المدرسة إلى هذا الأسلوب غير الحضاري في مؤسسة تربوية وتعليمية في آن، فالطفل لا يتعرف في المدرسة على مهارات تهجئة الحروف وفك الأبجدية فحسب بل يكتسب مهارات أخرى أهمها احترام الذات والآخرين، وهذا للأسف مالم تحققه مديرة المدرسة التي غلب على تفكيرها الربح المادي بدل اللجوء للحافز المعنوي متناسية أن قانون الطفل يكفل له ” الحق في إيلاء مصالحه الفضلى الأولوية في كافة القرارات والإجراءات التي تتخذ بشأنه، سواء من قبل وحدات الجهاز الإداري للدولة أم الجهات القضائية، أم الجهات المنوطة بها رعايته”.
هنا يتضح لنا أن قانون الطفل العماني غير مُفعّل في المدارس الخاصة، أو أن محتواه ربما لم يصل إلى الهيئات الإدارية والتدريسية والفنية في الكثير من المدارس الخاصة وربما الحكومية أيضا، وهنا نلوم وزارة التنمية الاجتماعية المعنية بهذا القانون والمفترض بها الحرص على إيصاله إلى كافة المؤسسات المعنية بالأطفال في السلطنة.
كان الأجدر بمديرة المدرسة أن تحاسب ولي الأمر دون المساس بالطفل الذي يتمتع بحماية وفق المادة (7) من قانون الطفل العماني إذ تنص المادة على أن ” للطفل الحق في الحماية من العنف والاستغلال والاساءة، وفي معاملة إنسانية كريمة تحفظ له كرامته وسمعته وشرفه وتكفل له الدولة التمتع بهذا الحق بكل السبل المتاحة”، هذا إضافة إلى أن هناك العديد من الوسائل المتاحة التي يمكن بها الضغط على ولي الأمر لتسديد رسوم دراسة ابنه كالاتصال به بعدم ارسال طفله إلى المدرسة إلا إذا سدد ما عليه، أو غيرها من الأساليب التي تكفل للطرفين معاملة حضارية راقية.
لقد وضحت لي هذه الحادثة العديد من الأمور المتعلقة بي كشخص قد تندرج ضمن الشأن الخاص الذي لا يمكن مناقشته هنا، إضافة إلى أن وجود معضلات حقيقية على أرض الواقع لا يمكن التغاضي عنها أو إهمالها وهي أن الكادر العماني غير المدرب وغير المؤهل يشكل حملا ثقيلا على المؤسسة التعليمية التي يعمل بها، إذ بررت إحدى الموظفات العمانيات في المدرسة الخاصة بأن طرد الطفل من الصف لن يؤثر عليه لأنه طفل ولا يعي ما يحدث له، طبعا هذه الموظفة لا تعرف ربما حقوق الطفل ولم تدربها المؤسسة التي تنتمي إليها على معاملة الأطفال معاملة حسنة ناهيك عن تزويدها بالثقافة القانونية التي تمكنها من التعامل من الأطفال في التعليم ما قبل وما بعد الأساسي، وهذا يدل على أن العامل العُماني غير المدرب أو المؤهل لشغل الوظيفة يشكل عائقا أمام تقدم المؤسسة التي يعمل بها ويؤثر على سمعتها، ولهذا لابد من تدريب وتأهيل الكادر البشري العماني قبل أن يجد نفسه عالة على الجهة التي وظفته.
إن مبعث الكتابة هنا ليس موضوع تسديد الرسوم الذي انتهى في نفس اللحظة بعد الدفع ورجوع الطفلة إلى صفها، بقدر ما هو محاولة للاعتراف بالتقصير تجاه طفلة طردت من الصف ولا تعرف لماذا طردت، أو ماهي الأسباب التي جعلتها تخرج وحيدة من قاعة الدرس دون بقية زملائها، وقد تلوم نفسها وتسأل عن الخطأ الذي ارتكبته وتعجز عن الإجابة، طبعا لن تعرف أنها ضحية تصرفات ناس بالغين منهم ولي أمرها ومديرة المدرسة القائمة على المؤسسة التعليمية التي يفترض بها أن تضع حق الطفل على قائمة الأولويات.
محمد الشحري