عُمان مرشحة لوساطات سياسية أكبر بين الأطراف المتنازعة

أكدت الدكتورة فاطمة الصمادي وهي باحثة وأستاذة جامعية أردنية مختصة بالشأن الإيراني، وتعمل حاليا في مركز الجزيرة للدراسات والأبحاث، بأنه لم يكن هناك خيار أفضل من سلطنة عمان لتعلب دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة على ملف إيران النووي، فكل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية رغبت أن تشتغل السلطنة على ترتيب إجراءات الوساطة للتفاوض في ملف حساس كهذا؛ دام الخلاف عليه عقودا من الزمن.

وقالت في حوار خاص لـ ” البلد ” :”يبدو أن عمان قرأت التغيرات الجغرافية السياسية بشكل ذكي، وقرأت أن هناك تحولا في التوجه نحو إيران وأدركت أن دورا مستقبليا سيركز على إيران، ومن ثم اختارت أن تكون في الجانب الرابح”.

وتؤكد الباحثة أن السلطنة أصبحت مرشحة للعب وساطات أكبر؛ وأن المحادثات السرية الإيرانية الإماراتية الأمريكية ربما تتجه لطلب الوساطة العمانية، والوساطة مع الأطراف الداخلية في اليمن، ووساطة تربط أوروبا مع إيران لفتح طريق عبرها إلى الهند بدلا من قناة السويس؛ الأمر الذي جعل من عمان تستمر في تحقق إنجازات تلو الأخرى على صعيد ملفها الأمني، فقد استطاعت بسياستها أن تحظى بعلاقات جيدة مع أكبر دولة إقليمية في المنطقة وهي إيران، ومع دول تمثل القوى العظمى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا أيضا.

في الحوار أدناه ننشر حديثنا مع د.فاطمة الصمادي حول أسباب اختيار السلطنة وسيطا للمفاوضات حول الملف الإيراني التي امتدت لسبعة أشهر أخرى عقب اجتماع فيينا الأسبوع الفائت، كما نستعرض في الحديث رؤية السلطنة الاقتصادية والأمنية من دخولها وسيطا في ملفات شائكة كالملف الإيراني واليمني، وتأثير صوتها على القوى الخليجية التي طالما أحبت ان تتمسك بزمام القرارات الخارجية.

عمان الأنسب بإجماع كل من أمريكا وإيران

تقول د.فاطمة الصمادي أن الجميع بات متيقنا اليوم من أن هناك تطورا في العلاقات الإيرانية الأمريكية عقب المفاوضات الجارية حتى وإن لم يتم التوصل لاتفاق خلال الفترة المحددة، كما أصبحنا متأكدين أن مسألة الحل العسكري للملف النووي الإيراني تراجعت إن لم تكن انتهت.

وتضيف: “أن السلطنة كانت دائما مرشحة أكثر من غيرها للعب دور الوسيط في المحادثات بشأن الملف النووي الإيراني، كما أنها هي الدولة الوحيدة التي رغبت أن تكون وسيطا مع إيران. ولذلك حذرت عمان قبل أن تستضيف المحادثات السرية والوساطة من أي مواجهة مع إيران؛ لأنه في رأيها سيقود منطقة الخليج إلى مواجهات هي في غنى عنها”

وتضيف الباحثة في الشؤون الإيرانية أن السياسية العمانية مقتنعة أن المنطقة كلها تتبع نظرية الأواني المستطرقة، الأمر الذي يعني أن أي مواجهة مع إيران لن تقف عند حدود إيران، بالمثل فإن أي مواجهة مع السلطنة ستنسحب على الخليج عموما، ومن ثم أن يزيد حجم الضرر ويتسع على نطاق أكبر، ولذلك كانت عمان تدافع عن فكرة الحل الدبلوماسي مع إيران. يبدو أنها قرأت التغيرات الجغرافية السياسية بشكل ذكي وقرأت أن هناك تحولا في التوجه نحو إيران، وأدركت أن دورا مستقبليا سيركز على إيران، ومن ثم اختارت أن تكون في الجانب الرابح؟

تشير إلى أن هناك مسألة أخرى وهي مستوى العلاقات بين إيران وعمان التي أخذت مستوىَ أعلى مقارنة بشقيقاتها من دول الخليج الأخرى، وذلك من حيث الاتفاقيات التجارية والعسكرية بين الطرفين العماني والإيراني؛ ولهذا كان هناك نية صادقة للوصول بالعلاقة إلى مستوى جيد جدا، كما أنه بدا واضحا أن الطرف الأمريكي وجد أن العمانيين قادرين على أن يلعبوا دور هذه الوساطة، ووجدوا في العلاقات بين البلدين ما يؤهل القيام بها، ومن ثم البدء بتنفيذ اللازم لإنجاحها، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية بين إيران وعمان، التي ابتدأت منذ زمن الشاه علاقات قوية وتنسيق عسكري ومبادلات تجارية، واستكملت لاحقا مع الجمهورية الإسلامية بعد ثورة 1979.

إيران لاتريد التعامل مع الخليج ككتلة واحدة

ترى الباحثة فاطمة الصمادي أن الطرف الإيراني لا ينظر للمسألة بنفس التوجه العماني السياسي، فإيران معنية جدا “بإحداث شرخ داخل منطقة الخليج، وهي لا تريد رأيا موحدا بين دول الخليج تجاه إيران؛ لأن الجانب الإيراني يعتقد أن الرأي الخليجي الموحد يحمل وجهة النظر السعودية أو الإماراتية؛ ولذلك هو بحاجة لعمل نوع من التحالفات الثنائية بحيث يفقد الطرف السعودي قدرته على التأثير على قرار الأخرين. فهناك مستوى علاقة جيد مع دولة قطر، وأيضا مع دولة الإمارات خاصة وأن هناك محادثات سرية جارية بشأن الجزر المتنازع عليها بين الطرفين”.

وتضيف إن العلاقة بين سلطنة عمان وإيران مرت بصعود وهبوط، “لكنها لم تصل أبدا إلى الدرجة التي تدعو فيها عمان إلى المواجهة على غرار بعض الدول الخليجية”، فليس هناك توتر مثل الذي بين السعودية وإيران، “ولا يمكن أن يكون”؛ فالسعودية تقدم نفسها على أنها زعيمة العالم السني، وإيران تقدم نفسها على أنها زعيمة العالم الشيعي ومن ثم فإن هذا الصراع السياسي أخذ أبعادا وعناوين طائفية ودينية، الأمر الذي أدى لتداعي العلاقات رغم التسويات المطروحة، والإدراك للمخاطر المشتركة، وبقيت العلاقات يشوبها الكثير من المشاكل.

واستطردت د.فاطمة: “من هنا نستنتج أن إيران تريد كل دولة خليجية على حدة، فهي لا تريد أن تتعامل معها بوصفها كتلة واحدة، كما تريد أن تقول لدول الخليج أنه إذا حدث تغيير في التوجه نحو إيران مثلما فعلت سلطنة عمان فـ ستحصلون على مكاسب كتلك التي تحصل عليها السلطنة حاليا”.

مكاسب العلاقات الطيبة مع إيران

تقول الباحثة في الشؤون الإيرانية بأن الجميع لاحظ في الاجتماع الذي جرى مؤخرا وجمع كافة الأطراف المختلفة حول ملف إيران النووي في العاصمة العمانية مسقط، لاحظنا رمزية تشير إلى أن هناك نوعا من التكريم لسلطنة عمان كونها رعت المحادثات السرية. وهذه المكاسب تتمثل على المستوى الاقتصادي والدور السياسي، فالسلطنة نجحت في تقريب بلدين بينهم قطيعة سياسية لأكثر 34 سنة في الوقت الذي فشلت فيه محاولات كثيرة من الطرفين.

وتعتبر أن هذه القطيعة لها أبعاد أيديوجية وسياسية؛ فإيران دولة ترفع شعار الموت لأمريكا، فأن تُحدث السلطنة خلخلة في هذا العداء لدرجة أن يمشي التقارب الإيراني الأمريكي بشكل متسارع فهذا يعطي مكانة سياسية ودورا أكبر لسلطنة عمان في الخليج، وينزع التفرد من الطرف السعودي، وهذا دور لم تقم به عمان في السابق.

وترى أنه إذا حدث الانفراج بين إيران والعالم –مهما امتدت مهلته- فهذا يعني نهاية العقوبات، ومن ثم ستنطلق كثير من المشاريع الاقتصادية سواء المتعلقة بالنفط أو غيره. فإيران لديها مشروع للربط بين أوروبا والهند لتعمل عليه بعد وقف العقوبات، وستكون السلطنة شريكا في هذا المشروع بالاستغناء عن قناة السويس، وهذه مسألة في غاية الأهمية.

على المستوى الأمني، السلطنة حققت إنجازات كبيرة على هذا الصعيد، فهي دولة استطاعت بسياستها أن تحضى بعلاقات جيدة مع أكبر دولة إقليمية في المنطقة وهي إيران، ومع دولة من تمثل القوى العظمى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

الوساطة العمانية تمتد لتقرب أطرافا أخرى

تقول الصمادية إن نجاح السلطنة في الوساطة مع أمريكا وإيران أعطاها ثقلا أكبر ووسع حجم الثقة في السياسة العمانية؛ ومن ثم فعمان مرشحة للعب وساطات أكبر، فالمحادثات السرية الإيرانية الإماراتية الأمريكية يمكن أن تتم بوساطة عمانية أيضا. كما ستعزز السلطنة من مكانتها الإقليمية إذا ما حققت نتائجا طيبة في وساطتها الجارية بين الأطراف المتنازعة في اليمن، فهذه الوساطة بالتحديد ستكون صعبة للغاية لكونها بين أطراف متعددة في بلد تتصارع فيه قوى داخلية مختلفة.

وتختم حديثها عن الدور العماني بقولها إن الوساطة التي تلعبها عمان ليست تدخلا في شؤون الغير كمايمكن أن يفهم البعض، بل هو لعب سياسي ذكي. تقول: “صحيح أن الوساطة بين أمريكا وإيران كان لها تأثير على وحدة الصف الخليجي؛ لكن عمان تلعب بمصلحتها وهي ترى أن هناك مصالح في لعب هذا الدور. كما أن السلطنة في السنوات الأخيرة بدأت ترى عدم جدوى السياسة السعودية في المنطقة، وهذا مؤشر آخر أن عمان لا تريد أن تكون تابعة للموقف السعودي من باب أن هذا الدورالذي ثبت فشله، وأن جدواه ليست في الحسبان.

حوار : رحمة الجديلي – البلد

1 تعليقك

  1. كل التوفيق في المساعي الطيبة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس ، له بعد نظر متميز وثاقب ، فكر أصيل يتسم بالشموخ والعزة ، سلمي آمن واعي وقارئ جيد للأحداث ونتائجها.
    حفظك الله يا مولاي وحفظ عمان أرضا وشعبا.

Comments are closed.