تتملكنا في لحظات اليأس عقدة النقص المرتبطة دوماً بالفشل وعدم القدرة على مواصلة طريق النجاح والطموح، شعورٌ أسبابه الانتقاص من مقدرة الذات بعدم أهمية ما نصنع، وعدم الكفاية الشخصية لما نفعل، ترجع إلى تفوق من حولنا بطرقهم المختلفة فيما يفعلون، والقيود النفسية والجسدية التي تحبس الفرد بداخل قوقعة تدعى الانتقاص من الذات.
عقدة النقص تتوالد لدى أولئك من عاشوا فترة طفولتهم في بيئة تحارب المختلف وتضعه في ميزان التمييز بينه وبين بقية أفراد أسرته أو مجتمعه، ميزان يضع التركيبة الجسدية والجنس والوضع الاقتصادي للفرد محل تقدير أو انتقاص، بحسب الفئات المتسيده لتلك البقعة من الأرض، فيحاول أن يكون مختلف عنهم في تميزه وأن فشل تنتابه عقدة النقص فيحاول أن يكمل انتقاصه بالاندماج في صفوف تلك الفئة المسيطرة في المجتمع الرافضة لأي اختلاف لا يتماشى مع مبادئهم.
ينشأ الطفل في بيئة أسرية تقيس مدى مقدرته على النجاح وأن أثبتت التجارب عدم مقدرته على التجاوب مع العوامل المتوافرة لدى تلك الأسرة والمتوارثة أبً عن جد، تبدأ في الهجوم عليه باللفظ أو إشعاره بعدم الجدوى لفترات طويلة من حياته، وهذا ما يعزز شعور النقص فيه، بالإضافة لكونه غير محظوظ في حياته بسبب تلك العقدة، فينتابه الخوف من كل فعل يقوم به لا يرضي ذلك الشخص المسبب لها، ويعتبر ألفريد أدلر -طبيب عقلي نمساوي،مؤسس مدرسةعلم النفس الفردي- أول من صاغ مصطلح عقدة النقص المرتبطة بالمنشاء الطفولي للفرد، فكل طفل يحاط بمشاعر الدونية وعقدة النقص حين يحاط بالبالغين الأقوى والأكثر قدرة، فتصبح هاجس مشاعره تعويض ذلك النقص في الآخر القادر على الاتكال عليه، الغريب في موضوع عقدة النقص التي سببها الآخرين في ذلك الفرد، أن تلك العقدة لا يستطيع تغييرها، فلونه (اسود أو اسمر أو ابيض) أو حجم جسده ( قصير أو طويل) أو حتى جنسه (أنثى أو ذكر)، هي ليست متغيرات قادر على تعديلها لم يرغب أولئك المسببين لتلك العقدة في ذاته، فتلك العنصرية التي قد يدعى المجتمع عدم وجودها تؤدي إلى أضرار كثيرة حين توجه للفرد على شكل سخرية لا ذنب له فيها، وأكثر المعرضين لتلك العقدة هم من المرأة لمحاولتها الدائمة إرضاء الرجل لظنها أن الرجل كائن كامل وهي الناقصة، فلا تجد ولا ترى الكمال فيما تفعل بدونه، فهي متكلة بالكامل عليه.
ذكر الدكتور مصطفى حجازي في كتابه التخلف الاجتماعي – مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور- جزئية عن عقدة النقص مفادها: عقدة النقص تجعل الخوف يتحكم بالإنسان المقهور : الخوف من السلطة ،الخوف من القوى الطبيعية، الخوف من فقدان القدرة على المجابهة، الخوف من شرور الآخرين. فهو يتجنب كل جديد ويتجنب الوضعيات غير المألوفة، إذا خرج من دائرة حياته الضيقة يحس بالغربة الشديدة وبانحسار الذات، كل جديد يثير فيه القلق وإحساسه الجذري بانعدام الأمن، ولذلك فهو يخشى التجريب، ويتشبث بالقديم والتقليدي والمألوف، غير قادر على استيعاب التكنولوجيا الحديثة، وكل ذلك بسبب اعتراف هذا الإنسان المقهور بعقدة النقص وضرورة وجود فئة متسلطة عليه تساهم في غرس تلك المشاعر وما عليه سوى أن يرضى بالأمر الواقع.
الشعور بالدونية وبعدم الأهمية تنتشر لدى المجتمعات المنغلقة، وهي لا تعترف بوجود تلك العقدة بداخلهم، فهم في غالب الوقت متعايشين مع تلك العقدة، متأقلمين مع حاجتهم البسيطة والسطحية للأمور، يعتبرونها نوع من التسامح مع مجريات الحياة المكتوبة عليهم، وقانون متوارث لا يجوز الحياد عنه، وجميع مواقفهم محايدة تطغى عليها الرضى بالقسمة المتوفرة لديهم، فاقدين للوعي المعرفي بأهمية أن تكون لديهم رؤى في الأمور التي تجري حولهم.
عقدة النقص هي عكس الثقة بالنفس، وغالباً من يعيش ذلك الشخص التي تزداد فيه تلك العقدة في البحث عن أسباب تلك العقدة، مع أن أول طريقة لعلاجها هي بتعزيز ثقته في نفسه، والتي بالنسبة إليه من الصعوبة لأنه تعود على الاتكال وعدم التفردطوال حياته، بسبب ذلك الذي عزز لديه هذا النقص، فلا يستطيع الاستغناء عنه والاعتراف بقدراته مثله مثل ذلك الشخص الذي استطاع ذلك، فهو يقتات من تلك الحاجة ولا يرغب بدونها بديل، وفي ذات الوقت أن ازدادت تلك الحالة (عقدة النقص) يرجع أسبابها أن ذلك الشخص المسيطر عليه غير راضي عنه، لذلك لن تتوافر لديه تلك الخدمات التي كان يوفرها له، فيرسل بداخل نفسه إشارات ورسائل نفسية إلى عقله الباطن يقمع أي محاولة إيجابيه لصناعة حياته وقراره، فلا تقرأ ذاتك كغلافكتاب بل تعمق للقدرات التي بداخلك، ولا بأس بقليل من العزلة كي تقوم بإنعاش ذاتك والخروج من قوقعة الانتقاص بعدها، لتكتشف تفوقك المتفرد.