الفساد واستغلال النفوذ مخاطر ضد الوطن والمواطن

في تصريح حديث لمؤسسة الشفافية الدولية، تكشف فيه مساوئ ومخاطر الفساد، واستغلال السلطة والنفوذ فتقول:( إنّ إساءة استخدام السلطة، والتعاملات السرية، والرشوة، هي مشكلات مستمرة في تخريب المجتمعات في شتى أنحاء العالم، وأن جميع الدول ما زالت تواجه تهديد الفساد على جميع المستويات الحكومية؛ من إصدار التراخيص المحلية وحتى إنفاذ القوانين واللوائح»، مشيرة في فقرة أخرى من التصريح (إن الفساد في القطاع العام ما زال من بين أكبر التحديات العالمية، ويجب أن تكون المؤسسات العمومية أكثر انفتاحاً فيما يخص عملها وأنشطتها وأن يكون المسؤولون أكثر شفافية في صناعة القرار، ويمكن أن تساعد آليات إتاحة الحصول على المعلومات القوية وتوفر قواعد حاكمة لسلوك شاغلي المناصب العامة في تحسين درجات الدول، في حين أنّ نقص المساءلة في القطاع العام مقترناً بعدم فعالية المؤسسات العامة يؤثر سلباً على مدركات الفساد هذه.)

والحقيقة أنّ قضية استغلال النفوذ من أجل العبث بمقدرات الوطن وثرواته ـ كما قالت ـ هذه المؤسسة، مقدمة جلية لتخريب المجتمعات ونشر الفوضى، والاحتقان والمشكلات التي تجعل الدول تتراجع، وتتحول إلى دول مضطربة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فإنّ البديل الذي يتصدى، هو الشفافية والرقابة الصارمة، وتوفير كما قالت المؤسسة (قواعد حاكمة لسلوك شاغلي المناصب العامة).

وهذا الأمر يتطلب أن تتعزز الرقابة من جهات الاختصاص في بلادنا، في كيفية الصرف المالي على المشاريع، وعلى أسعارها، وعلى إسناد شركات بعينها، وعلى الأوامر التغييرية التي أصبحت لافتة، وحديث المجتمع!! بهدف التحقق من دقة مبالغ المشروع، وتوازن التكلفة، مع ما تتطلبه القيمة السعرية لهذا المشروع في الجوانب الفنية وغيرها، التي يعرفها الفنيون والمختصون بهذه المشاريع، ولذلك فإنّ الشفافية أصبحت مهمة وضرورية، ولا يجب أن تتراجع عنها المؤسسات التشريعية والرقابية، وعلينا ألا ننسى تشديد جلالته حفظه الله تعالى، عندما قال تحدّث في حسم ووضوح في دورة مجلس عمان عام 2011، بقوله:” إنّ العمل الحكومي، بما فيه من تكليف ومسؤولية، يجب أداؤه بعيداً عن المصالح الشخصية وتنفيذه بأمانة تامة خدمة للمجتمع. كما يجب سد كل الثغرات أمام أي طريق يمكن إن يتسرب منها فساد. وإننا نؤكد من هذا المقام على عدم السماح بأيّ شكل من أشكاله ونكلف حكومتنا باتخاذ كافة التدابير التي تحول دون حدوثه وعلى الجهات الرقابية أن تقوم بواجبها في هذا الشأن بعزيمة لا تلين تحت مظلة القانون وبعيدًا عن مجرد الظن والشبهات”.

فمن الضروري والهام أن يتم التشديد على استخدام القانون الصارم لضرب الفساد ومحاصرته من قبل الدولة بأجهزته المختلفة، وتطبيق العقاب القانوني، من أولويات القضاء لإزالة هذا الخطر الكبير على موارد الدولة والمجتمع، وزيادة الفاعلية الرقابية المتعددة أصبحت من الضرورات الهامة، ولعلها أهمها، خلخلة البنية الإدارية التي أقام عليها هذا الفساد بما يسهم في تجهيز أطر إدارية وقانونية في هذا القطاع، وعقاب من سولت له نفسه،التلاعب وتجاوز الأمانة التي كلف بها للحفاظ على مقدراتها وليس استغلالها بصورة أو بأخرى. ومن هنا لابد من تطوير وتجديد السياسات التي تسّير النظم في هذه القطاعات بما يضمن سلامة الأداء، ومصداقية الممارسة الأدائية للعمل المالي، والشفافية، وفقًا لمعايير وخطط تكفل الكفاءة، وأن تكون منسجمة مع القانون وقواعد الإدارة المنظمة بضوابط لوائح الرقابة المالية والتشريعية، وغيرها من أنواع الرقابة الأخرى التي تراها الدولة ضامنة لمنع الفساد والتجاوزات التي تقع على المال العام.

ولذلك على أجهزة الرقابة المتعددة في الدولة، أن تضطلع بمهام كبيرة لتحقيق هذه الأهداف والقضاء على مؤشرات الفساد، بما في ذلك مسألة “الرشاوى”، و”السمسرة” “والعمولة” المرتبطة بمصالح خاصة لعمل عام، وهذه للأسف تؤسس لذهنية سلبية لدى البعض، حيث يعتبرها ظاهرة طبيعية، لكنها تشكل مخاطر لكونها بيئة حاضنة للفساد الإداري والمالي، لو تركت لتتغلغل في الإدارة.

ولا شك أنّ الفساد بصفة عامة له الكثير من المساوئ الأخرى على قطاعات أخرى مرتبطة بالتنمية الاقتصادية، ألا وهي تدني مستويات كفاءة الاستثمار العام، وضعف مقومات الجودة في البنية التحتية العامة، لكونها تحد من الموارد المخصصة للاستثمار، وربما تزيد في كلفتها، أو توجيهها التوجيه السلبي الذي يجعل الدولة تخسر مبالغ طائلة دون أن تكون هذه المبالغ قد وضعت في ما خطط لها، بالصورة التي روج لها، أو قيل أنها وضعت وفق مخططات سليمة وعلمية، أو ربما يدخل عامل الوساطات في اختيار المشروعات الإنشائية، مما يسفر عنه تدني نوعية المنشآت العامة، لكن لم يتحقق هذا بطرق ناجعة وسليمة من الأخطاء الكبيرة.

ومن المهم أن تقوم المؤسسات التشريعية في بلادنا، وبالأخص مجلس الشورى، مع مجلس الدولة لصياغة لوائح ونظم تحدد دور المراقبة الإدارية، للكثير من المؤسسات لتحصينها من التجاوزات والجرائم التي تمس العام، من الرقابة المشددة، إلى جانب العقوبة المغلظة، وهذه ستكون الضامن الرئيسي في ضبط المخالفات والتجاوزات التي لا تراعي الأمانة والرقابة الذاتية، لضمان انسياب العمل الإداري والمؤسسي، من خلال معايير سلامة العقود الإدارية والمالية، والشفافية في التصرفات، مع الالتزام بوضع الضوابط التي تحّجم الفساد، مهما كانت طرقه وأساليبه لاختراق النظم والقوانين واللوائح، وهذا ما يجعل أي مساس أو تجاوزات محط الأنظار والمتابعة الدقيقة، سواء من الأجهزة الرقابية، أو دور مجلس الشورى في الاستجواب والمساءلة، من خلال مجلس الشورى، وهذا ما نراه هاما وضروريا، لتعزيز التعاون بين الأجهزة الرقابية ومجلس الشورى، وإعطائه الصلاحيات اللازمة للقيام بدوره في المراقبة التشريعية، بهدف الحفاظ على سلامة الأداء المالي والإداري، من الفساد والتجاوزات مستقبلا.

عبد الله بن علي العليان

صحيفة الرؤية