استثناء من معاليه

صاح بصوته منفعلا: لن نتطور إذا بقي هذا الحال؛ يريدون أن يقللوا من الفساد فليبدؤوا بأساس المحسوبية والواسطات.

لم يكن الرجل يتحدث كمن يخشى شيئا؛ لا يوجد ما يخاف منه؛ جلس على كرسي الوظيفة الحكومية سنوات طوال؛ وعلى كرسي المدير سنوات لا بأس بها؛ لكنه منزعج من أمر ما؛ منزعج بقوة جعلته يفقد هدوءه المعتاد.. ويبدو غير مكترث بتداعيات غضبته لأنه يدرك أن زمن التداعيات لم يعد موجودا.. أو بالأحرى لا يهمه في شيء.

الرجل يتصرف وفق اللوائح والقرارات التي يقال كثيرا أنها تنظم سير العمل؛ يأتيه مراجع بسيطة فيسرد عليه ما هو الممكن وما هو المستحيل. وحدود الفاصل بينهما؛ لكن يأتيه شخص يستطيع أن يلغي حدود الفاضل بين الممكن والمستحيل بطريقة سهلة جدا؛ هو يعرف معاليه أو سعادته؛ ويا حبذا لو كان اللقب: سعادة الشيخ الوكيل الدكتور… أو ربما لأي أحد يوصله إلى الباب الكبير.. ويتلقى صاحبنا الطلب مرة أخرى مشفوعا باستثناء من معاليه.. أو سعادته.. حينها تتوقف اللوائح والقرارات.. والمستحيلات معها.

 

السؤال: من يملك خاصية النفاذ (وفق مصطلحات شركات الاتصالات) إلى النطاق العريض؛ ومن لا يملك حق الدخول حتى إلى رئيس قسم ليشرح حالته أو معضلته فيجد من يتفهمها دون أن يضيق أحدهم ذرعا به؟.

هناك من لا يعرف حتى وجه الجالس على طاولة إنجاز المعاملات وهناك من يعرف أحد كبار المسؤولين في تلك الجهة شخصيا أو يعرف من يعرفه؛ حسب الفيلم العربي: صاحب صاحبه.

يعرف المجتمع أولئك الذين لا ترد في وجوههم الأبواب؛ شيخ قبيلة أو شيخا بملايينه.. أو من المنعم عليهم بلقب وظيفي عالي المستوى.. والأمر في هذه المسألة لا تقبل التعميم أبدا.. احتراما لمن يتحملون الضغط والانتقادات الحادة لأنهم أغلقوا مكاتبهم أمام طلبات التوسط والمرور السهل والأمن للمعاملات الحاملة لطلبات.. الاستثناءات.

هل يبالغ الرجل الغاضب في موضوع الاستثناءات على مكاتب أصحاب المعالي والسعادة أو أنها حقيقة لا لبس فيها ولا جدال عليها..

افترض أنها صحيحة؛ وأبني رؤيتي على أهمية رفع الإحراج عن كبار المسؤلين خاصة في الوزرات الخدمية؛ قبل الحديث عن رفع الإحراج عن وطن يفترض أن تتم معاملة أبنائه بالتساوي. أن يصدر قرارا برفع هذه الاستثناءات عن مكاتب صناع القرار.. وحينها يمكننا التعويل على أفكار مثالية مثل الشفافية والنزاهة والعدالة والمساواة..

لن يفتح باب أمام شيخ ويغلق في وجه مواطن بسيط.. يكون قرارا (من فوق) كي يحمي الجميع.. ويقطع على المستفيدين طرفهم الملتوية والسهلة للحصول على منافع تضع المزيد من الأموال في جيوبهم بينما هناك من يطلب البسيط فيقال له أن ذلك صعب.

نتمنى القرار الذي يحمي الناس من جشعهم ونفاقهم لكل من يملك تقديم خدمة؛ من التذلف لصاحب مصلحة؛ حتى إذا خرج من باب الوظيفة صبت اللعنات عليه: ربما من المستفيدين منه أكثر.

محمد سيف الرحبي

صحيفة الشبيبة