خُف علينا… و فلسفة التأويل

٢٠١٢٠٨٠٤-١٧١٣٤٠.jpg

علي سليمان الرواحي

مقدمة :
تهدف هذه الورقة لمناقشة حدود فلسفة التأويل بشكل ٍ عام و الاستخدام النفعي لهذه الفلسفة من قبل الكثير من المستخدمين ، حيث نجد ان فلسفة التأويل من الممكن ان تستوعب المعنى و المعنى المضاد للجملة او للنص الواحد ، كما تهدف هذه الورقة و بشكل ٍ اساسي للدخول في حوار تأويلي مفتوح مع السلطات الرسمية العُمانية حول ما ينُشر و ما يقال في السلطنة و ضرورة نبذ الأحادية في الرأي و التأويل ، و ضرورة تداول الافكار و تقليبها على أكثر من وجه. و لتوضيح هذه الفكرة بشكل ٍ أكبر , وعلى سبيل المثال و ليس الحصر ، سيتم استحضار المقولة التي راجت في المجتمع العُماني و وسائل الاعلام المختلفة و ذلك بعد ان رفعها احد المواطنين العُمانيين المتظاهرين امام الادعاء العام العُماني بتاريخ 2/6/2012 م ، و التي تقول ” خُف علينا راعي لندن” ، الامر الذي أدى الى احتجازه من قبل السلطات الأمنية العُمانية بعد فترة قصيرة مبررة بأن المقصود هو صاحب الجلالة السلطان قابوس مما ترتب عليها تهمة “إعابة الذات السلطانية”.
أبعاد الرؤية الأحادية :
من المعروف ان الدائرة التأويلية تقوم على ثلاثة أضلاع و هي : الموضوع و السياق و المؤول ، كما تقوم أيضا ً على عدم إمكانية احتكار المعنى لدى فئة معينة او فهم واحد بل هي تفتح النصوص على الاحتمالات الممكنة و المستبعدة ، غير ان هذا الانفتاح الكبير لهذه الدائرة التأويلية ليس عشوائيا ً إذ يخضع للكثير من المحددات التاريخية و السياقية و الرمزية و غيرها.
و بهدف توضيح هذه الأضلاع سنقوم بتقسيم إجرائي لفهم الدائرة التأويلية ، حيث نجد ان الموضوع “خف علينا راعي لندن” هو موضوع عمومي لم يتم الإشارة فيه لشخص محدد بعينه ، مما يجعل التأويلات مفتوحة على مصراعيها و لا يمكن حصرها في شخصية السلطان تحديدا ً ، ف لندن مليئة بالسكان و زائريها و القاطنين فيها مجهولي الهوية و لا يمكن حصرهم ، وهو ما يجعلنا نستطرد في التأويل بأن هذه اللافتة ربما هي اشارة الى صديق بغض النظر عن هويته او جنسيته موجود في لندن تعذّر الوصول اليه بالطرق التقليدية. أضف إلى ذلك من الضروري التوضيح هنا و منعا ً لأي إلتباس يقع بشكل غير مقصود بأن السلطان ليس “راعي لندن” بل هو “راعي عُمان” اذا اخذنا بالحديث المشهور ” كلكم راع ٍ وكلكم مسئول عن رعيته”.
و على مستوى السياق فان عدم وجود السلطان في السلطنة في تلك الفترة و عدم إعلان مكان تواجده في الوسائل الإعلامية الرسمية – كما جاء في مذكرة الدفاع التي قدمها المحُامي القدير : يعقوب الحارثي – يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي دعت الجهات الأمنية العُمانية الى تبنّي هذا التأويل ، و الحيثيات التي استندت عليها لتوجيه هذا الاتهام و الذي على إثره تم إصدار الحكم ، ففي تلك الفترة كانت وسائل الاعلام العُمانية تتداول الخبر بأنه في زيارة خاصة للدول الاوروبية بدون تحديد او تعيين.
يتخذ الطرف المؤوّل في هذا الموضوع خصوصية كبيرة وأهمية بالغة ، فهو ليس فردا ً يقوم بتأويل روتيني عادي كما نقوم به بشكل يومي مستمر في كل تفاصيل حياتنا ، المهمة و العادية ، بل نحن امام جهاز رسمي حكومي ، يتسم بالطابع الامني و القانوني ، فهو بهذا المعنى يمتلك سلطة على أكثر من صعيد : السلطة القانونية الالزامية و سلطة التأويل التي لا تقبل المنافسة و ترفض بقية القراءات المتاحة و الممكنة لكل ما يختلف معها، وهو ما يعني بأن هذا التأويل قد يتسرب و بشكل شعوري و لا شعوري ، الى المواطن العمومي الذي سيعتنق هذا التأويل بدون مساءلة او نقاش كونه جاء من جهة رسمية يفترض بها الحياد و الموضوعية في التعامل مع القضايا العمومية المستمرة ، كما يفترض منها و بشكل ٍ مواز ٍ ايضا ً تداول القراءات و عدم الاستسلام السريع للقراءة التي تتناسب مع التوجه الأيديولوجي للأجهزة الرسمية الأحادية التي ترفض و بشكل ٍ مستمر كل قراءة تختلف معها او لا تتناسب مع أجندتها المعُلنة و المضمرة على حد ٍ سواء.
و السؤال هنا : لماذا تم إستبعاد بقية التأويلات الممكنة ؟
يقودنا هذا السؤال الى وجهتين :
1) النص : هل المقولة المذكورة أعلاه منغلقة على نفسها و واضحة لا تقبل الالتباس او تعدد التأويلات و تباينها بحيث ان القاريء العمومي – بغض النظر عن خلفيته السياسية و الفكرية – يميل و بشكل ٍ مباشر الى هذا التأويل المطروح من قبل الجهات الرسمية العُمانية ؟ و هذا يقودنا بالضرورة الى إفتراض – و هو صُلب عملية التأويل – مفاده ان هذه المقولة لو تم رفعها في سياقات ثقافية و اجتماعية مغايرة للسياق العُماني ، هل سيكون لها نفس التأويل ؟

2) أحُادية التأويل : من الممكن أن يتحول التأويل من عملية منفتحة على الكثير من الاحتمالات المعرفية ، كما يمكنه أيضا ً ان يتحول الى تأويل أحادي لا يقبل الصراع التأويلي ، و هذا يعود الى البنية الجوهرية الفكرية للمؤول و اهدافه و آفاقه التي يحاول الوصول إليها. في هذ السياق و حسب المناخ المذكور سابقا ً ، نجد ان الاحادية بشكل ٍ عام و أحادية التأويل بشكل ٍ خاص حاضرة و بقوة في بنية النظام الرسمي العُماني ، أي ان لها تاريخ ممتد قابل للتعيين و التحديد ، غير ان هذه السمات التاريخية لا تعني بأن المستقبل ينبغي ان يتطابق مع الماضي القريب و البعيد على حد ٍ سواء ، بل ينبغي ان يقبل بصراع التأويلات مهما تباينت و تباعدت من أجل مستقبل اكثر ثراء و تنوعا ً.

الإعابة : الإشكالية المركبّة :

ورد اعلاه بأن التأويل الاحادي للجملة / اللافتة ” خُف علينا راعي لندن” هو الذي أدى الى صدور الحكم بتهمة اعابة الذات السلطانية. نستطيع ان نقول في هذا السياق بأن هذا الحُكم قد بنُي على تأويل احادي ظني و ليس قطعي ، وبلغة أخرى بأننا امام متشابه و لسنا في سياق المحُكم كما هي ألفاظ علوم القرآن و هو ما يعني من جهة أخرى بأننا امام حكُم قد تأسس على إشكالية مركبة من جزئين : التأويل السابق ، و الحكم الصادر بتهمة الاعابة التي تطرح أيضا ً تساؤلات حول آلية التأويل المتُبعة و كيفية بناء الكثير من الاحكام على إثرها.

لكي تتحقق الاعابة بشكل عام ، و إعابة الذات السلطانية بشكل ٍ خاص فانها تستلزم الكثير من الشروط و الحيثيات المرافقة لها ، ذلك ان الاعابة يجب ” ان تنصب على الذات و العيب في الذات هو الذي يمس الشخص في جسده و تصرفاته و أقواله ” كما جاء في مذكرة الدفاع المذكورة سابقا ً ، وهو الامر الذي لم يتوفر في هذه اللافتة إطلاقا ً، أضف الى ذلك فإن هذا المفهوم يؤسس لقدسية و معصومية يتمتع بها البعض و يُبقي الكثير من الأطروحات الرمزية – ناهيك عن الاطروحات الواضحة و المباشرة – الضرورية للمجتمع في دائرة الملاحقة التي بالضرورة ينبغي للأفراد ممارستها بشكل ٍ طبيعي و مسؤول ، وهو ما يعني لاحقا ً و إستمرارا ً للأحادية التأويلية المذكورة سابقا ً بأننا امام تداول للأحادية و إعادة انتاجها بطرق مختلفة و في مواضع متعددة.

هذه العصمة السياسية التي تتأسس على الكثير من الاجراءات و القوانين تحتاج في هذا العصر لتقليص كبير و ذلك للحد منها عن طريق إتباع اجراءات ضرورية و ليس توسيعها كما هو حاصل الآن ، ذلك اننا امام ذوات بشرية ينبغي مساءلتها و نقدها بكل تقدير و احترام ضروريين بغض النظر عن الرمزية التاريخية و الشخصية التي تمتلكها ، مما يعني بأننا امام ضرورة تقليص للصلاحيات يصاحبه تعديل في القوانين ، يضع كل الذوات امام الرأي العام كونها تمارس العمل العمومي الذي يؤثر بالضرورة في المجتمع و مستقبله و ليست شخصيات منعزلة لا تؤثر على الحياة بممارساتها المختلفة.

خاتمة :
تركز النقاش في الورقة على موضوع التأويل و ضرورة التشبث بالتعددية التأويلية بديلا ً عن الاحادية السائدة و ذلك من خلال نموذجين تعاملت معهما الجهات الامنية العُمانية بشكل ٍ خاص و الرسمية العُمانية بشكل عام بكثير من الاستبداد الدلالي و إقصاء للمعاني المختلفة ، هذه المعاني التي ربما لم تصل لهذه الجهات بحكم الاختلاف الطبيعي بين العقليات و التوجهات لحظة التعامل مع النصوص و المقولات، الامر الذي يمنحنا مؤشرا ً واضحا ً لا لبس فيه على ان الكثير من التأويلات المستقبلية ينبغي توسيعها و عدم التفكير تجاهها بكثير من الاحادية المرفوضة و غير المقبولة.

14 تعليقات

  1. نعم لتعددية التأويل و لا للإستقطابية Polarization فالمتشابه لا يمكن أن يرقى إلى المحكم مهما عالجناه

  2. مقال آخر تجنده الفلق للدفاع عن من تخطى حدود الأدب والدين قبل أن يتخطى حدود القانون. كاتب هذا المقال يظن العمانيين أغبياء فعندما يقرأون هذه اللافتة فلن يعلموا أن المقصود بها هو السلطان لأن اسم السلطان لم يذكر بالحرف. والأدهى من شحط به الخيال وقال أن المقصود هو علي الحبسي، ارحموا عقولنا ارجوكم.

  3. ان كان المتحدث مجنون فالمستمع عاقل !!!!!
    كيف تاؤل اعتراف المتهم بنه يقصد السلطان بعينه

  4. ان كان المتحدث مجنون فالمستمع عاقل !!!!!
    كيف تاؤل اعتراف المتهم بنه يقصد السلطان بعينه

  5. وهل يعقل أن يقوم هذا الشخص برفع لافتة لا يعرف معناه أمام الادعاء العام ، يا أخي القاضي حكم بالحكم بوجد الدليل الدامغ على اعتراف المتهم بجرمه.

  6. وهل يعقل أن يقوم هذا الشخص برفع لافتة لا يعرف معناه أمام الادعاء العام ، يا أخي القاضي حكم بالحكم بوجد الدليل الدامغ على اعتراف المتهم بجرمه.

  7. بالله عليكم هل تصدقون هذا الهذيان؟ اللافتة تخاطب شخصا مجهولا في لندن إلى آخر الإيحاءات الدالة على ضرورة العلاج العصبي والنفسي. كفى إساءة لعمان.
    محمود

  8. لابد ان نجد لهم مخرجا … فهم مظلومون لأنهم من أحبابنا لا أكثر

Comments are closed.