إهمال أكبر غرفة كهفية في العالم

هناك الكثير من المشاهد الحيّة التي تثير الدهشة لدى الإنسان وحواسه الخمس التي تقف منبهرة في مساحة من التفكّر حول إذا ما تراه وتشعر به هو حقيقي ومن فعل الطبيعة أم مجازي ومجرد خيال عابر! طوي أعتير أحد تلك المشاهد المتحركة ببطء، حيث كان نموها بتغذية من الطبيعية ومقومات حركتها في دورتها الزمنية في تشكيل الأسس الجغرافية للمكان وصياغة مشاهد جيولوجية ساحرة للعين المجردة كنتاج لطبيعة الحركة.

طوي أعتير اسم ليس بغريب على أبناء السلطنة ولا على سوّاح وزوار محافظة ظفار ومدينة صلالة على وجه الخصوص من كل عام في موسم الخريف، حيث أنه اكتسب شهرة عالمية بعد أن اكُتشفَ بهِ أحد أكبر حفر الإذابة في العالم عام ١٩٩٧ عبر رحلة بحثية جيولوجية قام بها مجموعة من الباحثين والمغامرين السلوفانيين وبعض الجيولوجيين بجامعة السلطان قابوس، وقد قادتهم الصدفة إلى اكتشاف تلك الحفرة إثر رحلتهم إلى طوي أعتير وهي نتاج لجريان الماء على طول الأودية التي تصب في الحفرة وأدى إلى إذابة الصخور وبالتالي إلى تكوين الحفرة والشلالات الرائعة الواقعة على طول التقاطع مع حفرة طيق؛ مكوّنا ذلك حفرة بحجم 975 ألف متر مكعب.

ويعد اكتشاف حفرة طوي أعتير إضافة قيّمة للمشهد الحضاري والبيئي في السلطنة تتمثل في منتج طبيعي وأثري وجيولوجي يشكل وجودها تعزيزاً للمقومات الطبيعية التي تزخر بها محافظة ظفار، وينتظر المتابع لأخبار القطاع السياحي في السلطنة بعد مضي ١٧ سنة من اكتشاف حفرة الإذابة دراسة دقيقة يتبعها قرار بضم حفرة إذابة طوي أعتير إلى قائمه المواقع الأثرية والجيولوجية التي يجب تهيئتها وتطويرها ثم تصنيفها ضمن المواقع السياحية في المنطقة وتسيير رحلات الزيارة وتشجيع سياحة المغامرات للسواح الراغبين في مشاهدة إحدى أكبر حفر الإذابة في العالم واكتشاف عوالمها !

في عام ٢٠٠٨ قُمت شخصيا بعمل بحث لمقرر الجيولوجيا في الجامعة، يتناول تأثير استغلال السياحة للقطاع الأثري والجيولوجي وشمل البحث تناول عدة محاور ومنها تحويل الثراث الإنساني إلى عناصر جذب واستغلالها سياحيا ( كالسفن التقليدية والقلاع ومقابر بات في عبري ومقابر كبيكب في الشرقية ) والمحور الآخر تهيئة وتطوير التراث الطبيعي والأثري والجيولوجي واستغلالها سياحيا عبر تحويلها لمواقع قابلة لزيارة السياح ( كالغرف الكهفية وحفر الإذابة والأودية والجبال)، وقد انتهى البحث بعدة نتائج أهمها أن هناك صراع دائم في أغلب دول العالم بين الجيولوجيين وصنّاع السياحة نظير اعتبار كل طرف منهم الحق في استغلال الطبيعة في مجاله إلا في السلطنة، فإننا لم نشاهد أي صراع علمي يذكر لمحاولة استغلال مكونات الطبيعة الجيولوجية سياحياً وذلك لعدم وجود خطط واضحة رُسمت حول هذا القطاع بعد ١٠ سنوات من إنشاء وزارة السياحة، وجُلّ ما تم تطويره هو التراث الإنساني فقط، وهو أمر تقليدي بدأت به الدول السياحية منذ أعوام مضت، فهل يحتاج طوي أعتير إلى ١٠ سنوات أخرى ليُنظر في أمر استغلاله سياحياً ؟ وهل سوف يجتمع مسؤولو الوزارة لمناقشة خطط استغلال الطبيعة الجيولوجية مع الجيولوجين المتعصبين ؟

يعقوب البلوشي
albalushiyaqoob@gmail.com