التجربة السنغافورية في التعليم الإلكتروني

مر التعليم الإلكتروني في سنغافورة بثلاث خطط  بدأت الخطة الأولى سنة 1997 وكانت قبلها المدارس تقدم تجارب ومبادرات فردية على مستوى توظيف التقنية في التعليم ,فكان هدف الخطة الأولى جمع هذه المدارس وبناء بيئة اتصالات ومعلومات قوية,وقتها لم يكن هناك استخدام مكثف للحواسب اضافة إلى غياب التدريب المناسب للمعلمين لتطبيق المناهج التي تم تحديثها اضافة إلى تدريبهم على توظيف التقنية في التعليمية.

أهم خطوة تم اتخاذها في الخطة الأولى هي تزويد المدارس بمساعد في التكنولوجيا لتدعيم توظيف التقنية في التعليم, وهنا توقف وأنا استمع للوفد السنغافوري وهو يشرح هذه الفكرة توقفت لأتذكر أنه قبل سنتين من اليوم تم طرح نفس هذه الفكرة في بعض اللقاءات وطرحت كمقترح في مدارسنا –هنا في عمان- وكان هناك حديث حول وظيفة اقترح استحداثها هي اخصائي تقنيات تعليم,يقوم هذا الاخصائي بتدريب معلمي جميع المواد على توظيف التقنية في الغرفة الصفية وتقديم دورات وورش في هذا المجال لرفع مهارات المعلمين وتهيئتهم,لكن هذا الاقتراح لم يتحول إلى تطبيق و تجربة حتى الآن حتى نقطف النتائج وحتى يمكن قياس أثرها و تقييمها خلال مدة زمنية معينة.

موسى البلوشي  مدون و مهتم بقضايا التعليم الالكتروني
موسى البلوشي
مدون ومهتم بقضايا التعليم الالكتروني
Moosatalk2010@gmail.com

نعود إلى بدايات التعليم الإلكتروني في سنغافورة وإلى الخطة الأولى التي استمرت لمدة ست سنوات وحققت حسب النتائج والمؤشرات نجاحا باهرا وبدأت معها توظيف التقنية في التعليم بشكل ابداعي, وكانت كلفة التعليم كل طالب حوالي مائتي دولار شهرياً.

الخطة الثانية من التعليم الإلكتروني في سنغافورة بدأت سنة 2003 واستمرت لمدة ست سنوات و هدفت إلى تعزيز الإبداع و وضع تصور لمدارس المستقبل ,وقد تم تطبيقها على اثنين وعشرين مدرسة ثم مائة ثم مائتان وخلالها قرأت معدلات متفاوتة في استخدام مصادر المعلومات والاتصالات في التعليم لذا فكرت وزارة التعليم من منطلق فهم كل مدرسة لاحتياجاتها الخاصة في مجال مصادر المعلومات والاتصالات أن تعزز مبدأ استقلالية المدارس وتركت لكل مدرسة أن تختار التقنيات ومصادر المعلومات التي تتناسب وإمكانياتها وثقافة مناطقها و مهارات معلميها وطلابها مع وضع معايير دنيا واشتراطات لهذه المصادر والتقنيات وأساليب توظيفها حتى تطلع عليها المدارس للوقوف على المهارات المطلوبة من الطلاب خلال تلك الخطة, وفعلا أدت فكرة استقلالية المدارس إلى مرونة في تطبيق المناهج وتعزيزأكبر للابداع والابتكار وتوظيف أكثر ذكاء للتقنية في المدارس السنغافورية.

أما الخطة الثالثة التي بدأت سنة 2009 فقد أعادت وزارة التربية خلالها النظر في مناهجها التعليمية نظرا للمتغيرات التي شهدتها سنغافورة وشهدها العالم وسعت إلى تعزيز أكبر لمهارات التحليل والتفكير والتواصل و الإدارة الذاتية والمسؤولية والمشاركة الاجتماعية, وهدفت إلى تعزيز وسائل الاتصالات ومصادر المعلومات في كل المواد الدراسية وخلال هذه الخطة اتخذت الوزارة هناك قرارا مهما باختيار أربعة معلمين مجيدين في مواد دراسية مختلفة ومن ثم أخذهم وتدريبهم على مهارات توظيف التقنية في العملية التعليمية وهدفت الخطوة إلى اعدادهم ليكونوا مرشدين فيما بعد في مدارسهم.

ليس هذا فقط بل إن الوزارة طورت إطارا لتوجيه التلاميذ وأسرهم نحو هذه البرامج والتقنيات وهذ الإطار عبارة عن معايير بنيت على أساسها فيما بعد برامج موجهة لأسر هؤلاء الطلاب,وحتى نهاية الخطة الثالثة لم تتجاوز كلفة التعليم لكل طالب سنغافوري مائتين وخمسين دولار شهريا.

وهنا أيضا توقفت أمام فكرة بدأتها وزارة التربية والتعليم هنا في السلطنة ممثلة في قسم التعليم الإلكتروني في الوزارة وتمثلت في تشكيل فرق للتعليم الكتروني في مدارس المحافظات من المعلمين تم اختيارهم بناءً لكونهم مجيدين في موادهم ولمهارات التدريب واجادتهم لبعض برامج التصميم ومن ثم أخذهم وتدريبهم على برامج وتعزيزهم بمهارات في مجال توظيف التقنية في العملية التعليمية ليكونوا بعدها مرشدين في مدارسهم ولينقلوا أثر التدريب إلى بقية معلمي المدرسة, وهي فكرة بدأت بقوة وتحققت من ورائها مكاسب عديدة أهمها تجهيز مدربين قادرين على تقديم الدعم في مجال انتاج وتصميم تطبيقات وبرمجيات محوسبة وتقديم الدعم والخبرات والأفكار في مجال توظيف التقنية في العملية التعليمية لكن هؤلاء الأعضاء شعروا بأنهم مجرد تجربة لن تستمر إضافة إلى أن البعض شعر بأن المهمة الجديدة هي عبء جديد يضاف إلى النصاب في التدريس والاعباء الإدارية الأخرى التي تعهد إليهم دون تقديم استثناءات ودون توجيه قدراتهمم وتجنيدها لتدريب بقية أعضاء هيئة التدريس و توجيههم لتوظيف التقنية في العملية التعليمية بشكل ذكي وابداعي ,فخفتت الفكرة!

تستعد سنغافورة حاليا لنقلة جديدة في مجال التعليم الإلكتروني وهي الخطة المقترحة لعام 2015 (Edvantage) والبدء بتطبيقها في ثماني مدارس (مدارس المستقبل) وفيها سيتم الاستعانة بخمسين تطبيقا, وستكون هذه التطبيقات ستكون متاحة على منصات تفاعلية وتطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية لجميع المواد الدراسية ولكافة المراحل الدراسية)

يذكر أن هناك دول حاولت تطبيق المنهج السنغافوري في التعليم لكنها وقعت في خطأ السحب والافلات دون مراجعة المناهج وتنقيحها بشكل دقيق ودون النظر إلى اختلاف الامكانيات ومهارات المعلمين والطلاب , ووقعت في خطأ تطبيق المنهج دفعة واحدة دون أن يكون ذلك على مراحل وأغفلت جزءً مهما هو اعداد المعلم وتوفير الوسائل التعليمية والتقنيات التي يتطلبها هذا المنهج المتطور حتى تكون مخرجات التعليم قادرة على الابتكار والابداع ومواجهة تغيرات العالم.

سنغافورة اليوم رائدة في مجال التعليم وهناك مناهج وطنية هي ثمرة شراكة  بين وزارة التعليم وعدة جهات حكومية أخرى و الشركات العاملة في مجال التعليم ,وسنغافورة اليوم رائدة أكثر في مجال  العلوم والرياضيات وطلابها يحققون المراكز المتقدمة في اختبارات TIMSS حتى أن هناك مدارس أمريكية تطبق النظام السنغافوري في الرياضيات,وكلنا يتذكر نتائج اختبارت TIMSS التي حققت فيها السلطنة المركز قبل الأخير حسب تقرير الدراسة الأخيرة والذي دق ناقوس الخطر وأثار الرأي العام وحاز على تفاعل كبير على شبكات التواصل الاجتماعي وطالب الكثيرون بإعادة النظر في المناهج الدراسية و أساليب التدريس واعداد المعلم العماني وفي منظومة التعليم ككل, وعليه يمكن بناء توأمة ومشاريع ربط بين المدارس العمانية والسنغافورية يمكن من خلالها وضع اليد أكثر على مكامن الخلل ووضع تصورات أكثر وضوحا لمستقبل التعليم في عمان.

أخيرا حتى يكون هناك تعليم الكتروني فعّال يجب النظر إلى جاهزيتنا لتطبيق هذه الفكرة ودراسة العوامل التي تحدد جاهزيتنا من عدمها وأهمها جاهزية المؤسسات التعليمية كمحتوى وبنية تحتية  وجاهزية المجتمع كثقافة واستعداد لتقبل مثل هذا التعليم و جاهزية القطاع الخاص خاصة قطاع الاتصالات ومدى اسهامه لإنجاحها, ولابد من توضيح أمر مهم جدا وهو أن الجاهزية الإلكترونية مهمة لكن وحدها لن تساهم في إنجاح أي تعليم الكتروني يطبق مستقبلا فلابد من الأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى كالمناهج الدراسية ومرونتها ومدى استيعابها للمتغيرات ومدى تنظيمها ,إضافة إلى ثقافة المجتمع ومدى جاهزيته لتقبل ودعم هذا النوع من التعليم.

 

2 تعليقات

  1. مقال يعكس تطور التعليم في سنغافورة و الاستخدام الصحيح للتقنية في لا يمكن لبلد ان يهمل فيه استخدام التقنية الحديثة في مجال التعليم . يجب على وزارة التربية و التعليم في السلطنة ان تعيد النظر في سياستها في التعليم حتى تنهض عمان من جديد و تنافس الدول المتقدمة في هذ المجال

  2. مقال يعكس تطور التعليم في سنغافورة و الاستخدام الصحيح للتقنية في لا يمكن لبلد ان يهمل فيه استخدام التقنية الحديثة في مجال التعليم . يجب على وزارة التربية و التعليم في السلطنة ان تعيد النظر في سياستها في التعليم حتى تنهض عمان من جديد و تنافس الدول المتقدمة في هذ المجال

Comments are closed.