“الطبع يغلب التطبع”

تساؤلات مواطن بشأن قانون المجالس البلدية

كلي أمل في أن ينتصر المواطن العماني عند ممارسته لحقه في انتخاب المجالس البلدية. ينتصر لقيم مواطنته القائمة على المساواة والعدل والحق في المشاركة السياسية، وحقه في مخاطبة السلطات العامة، والحق في التعبير عن رأيه في كل ما يخص تسيير وإدارة شؤونه العامة.
 كلي أمل كذلك، في أن يزيح – هذا المواطن – عنه غشاوة المنّة والفضل الآتية من الحكومة، التي ظل يضخمها في نفسه أربعة عقود من الزمن، إلى درجة أنها  شلّت تفكيره عن المطالبة بحقوقه الأساسية والأصيلة. وإلى الحد الذي نسيت فيه الحكومة وظيفتها الأصلية، ونسي المواطن أنه مواطن، وبأن الدولة كفكرة وممارسة وجدت في الأصل لأجل أمنه وكرامته وعزته.
 فلا فضل لأحدٍ في ممارسة حق، وإن تأخر إدراكه وتثمين أهميته. ولا مصلحة لحكومة و لا لمواطن في استمرار ذاك الشكل المزيف من العلاقة بينهما. الأصل في أن الحكومة تخدم الناس، لا أن يتحول الناس إلى عبيد لها. آما وأن الحال قد استمرأته فئة مستنفعة، واستثمرته لتضخيم مكانتها، والحفاظ على حظوته بتجرؤها على المال العام، وبتجفيفها لمنابع ثقافة النقد، وإيقاف النمو الطبيعي للوعي السياسي والاجتماعي والفكري، فهذا استثناء لن يستمر طويلاً، والجميع رأى في العام 2011 عواقبه وآثاره. كما أن بقاء هذا الحال،  لن يجني على الوطن إلا مزيدا من التخلف والزيف والانهيار. وحده الوعي المتيقظ، رغم مرارته، من سيبني وطناً حُراً، ومواطناً واعياً بحقوقه وواجباته.
وفي مناسبة انتخابات المجالس البلدية القادمة، يتبادر إلى ذهني مجموعة من التساؤلات التي لم أجد لها سياقاً منطقياً لفهمها، وددت أن أشارك بها المواطنة والمواطن العماني علهما يرشداني إلى الفهم الصائب الذي يوصلني إلى الأمل بنجاح هذه التجربة الوطنية.
أولاً في شأن دستورية قانون المجالس البلدية، الذي صدر بمرسوم سلطاني رقم 116/2011 بتاريخ 26 اكتو بر 2011، أي بعد التعديلات الأخيرة على النظام الأساسي للدولة، دستور البلاد، بالمرسوم رقم 99/2011 بتاريخ 19 أكتوبر2011 ،الذي نحتكم إليه جميعنا. الذي حدد مساراً تشريعياً واضحاً بشأن إصدار القوانين، وفق  المادة 58 منه مكرر 35، تلك التي أجبرت الحكومة على إحالة مشروعات قوانينها إلى مجلس عمان لإقرارها أو تعديلها ثم رفعها إلى السلطان لإصدارها. السؤال: هل مر هذا القانون المهم، وغيره من القوانين المصيرية، منذ  ذاك التاريخ،  على السلطة التشريعية؟
هل من البساطة أن تصدر قانونا مُؤسِسا لممارسة ديمقراطية في قضايا الحكم المحلي بهذا الشكل، وبذات الطريقة السابقة؟ طريقة “كلٌ يعرض ملفه” على رئيس الدولة، دون مراعاة لأبسط أسس دولة”المؤسسات والقانون”؟ هل شارك ممثلي الشعب في مجلس عمان في صياغة هذا القانون؟ أم ما زالت الحكومة تفكر بالنيابة عن المواطن وتُشّرع له، وتصدر ما تشاء من قوانين دون المرور بهذه القناة الدستورية الرئيسة؟ أليس هذا تعطيل مُخلٌ للدستور؟ أليست هذه الممارسة استمرارا للنهج السابق، الذي باعتراف الجميع كلف الإنسان والوطن تكاليف باهظة من الزمن، والهدر في الموارد البشرية والطبيعية؟ أم أن الطبع يغلب التطبع هنا؟
لماذا تشرف وزارة الداخلية على انتخابات المجالس البلدية؟  وهي التي ستدير مسار وممارسة أداء المجالس بعد ذلك؟ أين اللجنة العليا للانتخابات؟ التي نص على إنشائها النظام الأساسي للدولة في التعديلات الأخيرة في المادة 58 مكرر 14، أليس حريٌ بهذه اللجنة القيام بهذه المهمة؟ وهي التي تتمتع بالاستقلال والحيادية ويرأسها أحد نواب رئيس المحكمة العليا؟ أم أن الانتخابات البلدية أقل شأناً من انتخابات الشورى؟ أم عليها أن تمشي في ذات الطريق الطويل الذي مشته تلك التجربة؟ دون اعتبار لنضج إنساني، أو لتطور اجتماعي أو تثمين للزمن ومتطلباته.
في القانون نفسه، تناقضات لا تعكس إلا التسرع في اقتراح التشريع، الذي يستوجب بالضرورة، أي التشريع، التريث والأناة والحرص على الصياغة وتنسيق الأحكام. مثال ذلك المادة الثانية: “يصدر وزير البلاط السلطاني اللوائح والقرارات اللازمة لتنفيذ القانون”. بينما رأينا وزير الداخلية  ووزارته من يتصدر ذلك، لماذا؟
في فصل التعريفات عُرفت كلمة الوزير المختص: بأنه “وزير ديوان البلاط السلطاني بالنسبة للمجلس البلدي لمحافظة مسقط، وزير الدولة ومحافظ ظفار بالنسبة للمجلس البلدي لمحافظة ظفار، ووزير البلديات الإقليمية لباقي المجالس البلدية”. لم تأتِ أية إشارة لوزير الداخلية هنا. بينما وزير الداخلية، في المادة 14 ترفع له تقارير دورية كل ثلاثة أشهر من قبل رؤساء المجالس البلدية، لماذا وبأي صفة قانونية؟ بل، أكثر من ذلك، عندما  أعطت المادة 20 الحق منفرداً لوزير الداخلية حل المجالس! والسؤال هنا، أين دور وزير البلديات المعرف في القانون بأنه الوزير المختص؟.
 مر مجلس الشورى بـ30 سنة كاملة  ليصل إلى حق انتخاب رئيسه، أدرك فيها المجتمع قيمة الانتخاب ومسؤولياته، والعواقب المترتبة على ترؤس من يمثلون السلطة التنفيذية ومصالحها، هل تحتاج المجالس البلدية  أن تمشي في نفس الطريق؟ ألسنا مجتمعاً واحداً؟  وجهازاً إدارياً موحداً؟ أليست التجربة كافية لتنتخب المجالس البلدية رؤسائها، وتكون مسؤولة مسؤولية كاملة عن خيارها؟ بدلاً من سيطرة المحافظين أو “الولاة السابقين”، ووزارة الداخلية عليهم؟
 في اختصاصات المجالس البلدية كما فصلتها المادة 16، وجاءت في 30 اختصاصاً، كلها لم تخرج عن “الاقتراح”، “وإبداء الرأي”،و”المشاركة” و”دراسة الاقتراحات”. السؤال هنا، ماذا عن إجراءات التنفيذ؟ كيف سيعرف أعضاء المجالس مآلات تلك الاقتراحات والمشاركات التي ستكلفهم وقتاً وجهداً ليس بالبسيط؟ أين أدوات الرقابة، التي بأيديهم؟ كيف بإمكانهم معرفة معايير تنفيذ تلك الأفكار؟ وكيف هي العلاقة بين السلطة التنفيذية والمجالس البلدية؟ وهي الممثلة بأعضاء الجهات الحكومية  داخل المجلس البلدي، بل ويمثلون أغلبية مريحة في بعض المجالس،( عددهم 10 أعضاء).
 ألا يحق للمجلس البلدي أن ينتخب حتى أمين سره ومقرره؟ ثم ما الداعي لتعيين اثنين من أهل المشورة والرأي بقرار من وزير الداخلية و”الوزير المختص” بالنسبة لمسقط وظفار؟ أليس هذا من حق مواطني المحافظة، وليس الوزير الذي يسكن في مسقط؟ أما زالت فكرة عدم بلوغ المجتمع لسن الرشد موجودة عند من يقترح هذه التشريعات؟ ألم تُبين التجربة العكس؟.
تساؤلات كثيرة لا يتسع المقام للتوسع فيها في هذه العجالة، أتركها للمختصين من القانونيين والمشرعين وأصحاب الخبرة، علهم يقاربون لفهمي ما لم أدركه من قراءتي لصريح نصوص القانون.
 بكلمة واحدة، المجالس البلدية ممارسة ديمقراطية أساسية في المجتمعات الإنسانية المتقدمة، تلعب دورا محوريا في تطوير وإصلاح الفعل المدني بعيداً عن اللامركزية التي تغرق فيها السلطة المركزية تشريعية كانت أو تنفيذية. لذلك إذا ما أردنا أن نمنح لمجلس عمان الوقت والطاقة والتركيز في التشريع والرقابة وصياغة السياسات، لا بد أن تملأ المجالس البلدية جميع المساحات الخدمية التي تشغل حياة المواطن ومعاشه اليومي، وإلا سنكرر ذات الأخطاء ونظن أننا نُحسن صنعاً.
سعيد بن سلطان الهاشمي
hashmisos9@yahoo.com