البلد تنشر النص الكامل لصحيفة الطعن في “قضية التجمهر”

Picture1

قبلت المحكمة العليا الطعن المقدم إليها في قضية المتهمين بالتجمهر واستثنت ثلاثة منهم حيث لم يقبل الطعن في قضيتهم شكلا وهم محمد الفزاري ومحمود الرواحي وخالد النوفلي.
وكانت محكمة الاستئناف قد قضت بحكم الإدانة بالسجن لمدة 6 أشهر مع غرامة مالية للمتهمين مستندة على نص مادة ملغاة وهي المادة 137 من قانون الجزاء العماني حيث تم تعديلها بموجب المرسوم السلطاني 96/2011.

وتنشر البلد اليوم صحيفة الطعن بكافة تفاصيله كما وردت.

 

 

 

لدى المحكمة العليا الموقرة بمسقط

(الدائرة الجزائية)

صحيفة طعن بالنقض على الحكم الصادر في الدعوى الجزائية المستأنفة بأرقام (587 ـ 588 ـ 589 ـ 590 ـ 591 ـ 592 ـ 593/ 2012م) من محكمة استئناف مسقط (الدائرة الجزائية) بتاريخ 12/12/2012م:

مــــــــــقام من:

1: سعيد بن سلطان بن علي الهاشمي محكوم عليه أول

2: بدر بن ناصر بن علي الجابري محكوم عليه سادس

3: خالد بن صالح بن عبدالله النوفلي محكوم عليه سابع (طاعنون)

4: محمود بن حمد بن ثاني الرواحي محكوم عليه ثامن

5: محمود بن محمد بن ناصر الجامودي محكوم عليه حادي عشر

ويمثلهم: المحامي/ خليفة بن سيف بن حمد الهنائي من مكتب خليفة الهنائي للمحاماة والاستشارات القانونية

عنوانه: العذيبة الشمالية ـ شارع 18 نوفمبر ـ أمام مركز القبول الموحد ـ فيلا رقم 115

ضــــــــد:

الادعاء العام بمسقط

عنوانه: مسقط / الخوير (مطعون ضده)

 


 

أصحاب الفضيلة/ رئيس وأعضاء الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا المحترمين

بوافر الاحترام والتقدير ونيابة عن موكلينا المحكوم عليهم (الطاعنين) المذكورين أعلاه، بموجب سندات الوكالة المرفقة (مستند رقم 1 مكون من عدد 5 وكالات)، نشرف بتقديم طعن بالنقض على الحكم الصادر في الدعوى الجزائية المستأنفة بأرقام (587 ـ 588 ـ 589 ـ 590 ـ 591 ـ 592 ـ 593/ 2012م) من محكمة استئناف مسقط (الدائرة الجزائية) بتاريخ 12/12/2012م في مواجهة المطعون ضده وفق الوقائع والأسباب والطلبات الآتية:

أولا: الــــــــــوقائع

نحيل بشأنها إلى أوراق الدعوى والأحكام الصادرة فيها، إذ تخلص بإيجاز حرصا على ثمين وقت عدالتكم فيما يلي:

  • أحال الادعاء العام بمسقط (المطعون ضده) المتهمين (الطاعنين) وآخرين إلى المحاكمة الجزائية لأنهم بتاريخ 11/6/2012م:

أولا: بالنسبة للمتهمين جميعا:

  1. اشتركوا وآخرين في تجمهر مؤلف من أكثر من عشرة أشخاص في مكان عام ـ مواقف المركبات الكائنة بين بنك مسقط وقيادة شرطة محافظة مسقط بالحي التجاري بالقرم ـ بقصد الإخلال بالنظام وبقوا على ذلك الحال إلى حين ضبطهم متلبسين من قبل مأموري الضبط القضائي وهو الأمر الذي كشف عنه التحقيق تفصيلا.

  1. تسببوا في عدم سهولة سير المركبات على الطرقات المحيطة بمكان تجمهرهم بمنطقة الحي التجاري بالقرم وذلك حال مقارفتهم الجرم موضوع التهمة الأولى الأمر الثابت بالتحقيقات.

ثانيا: بالنسبة للمتهمة الثالثة:

أهانت موظفين عموميين ـ رجال الشرطة ـ علانية بالكلام أثناء قيامهم بوظيفتهم وذلك بأن تلفظت عليهم بالقول (أنتم غربان) وفق الثابت بالتحقيقات.

ثالثا: بالنسبة للمتهم التاسع:

خالف الأنظمة الإدارية وذلك بأن مارس عملا صحفيا في جريدة الزمن دون أن يكون حاصلا على ترخيص بمزاولة المهنة من دائرة المطبوعات والنشر وفق الثابت بالتحقيقات.

وطالب الادعاء بمعاقبتهم:

أولا: بالنسبة للمتهمين جميعا:

  1. بجنحة التجمهر بقصد إحداث الشغب والمجرمة بنص المادة (137) من قانون الجزاء.
  2. بجنحة تعطيل حركة المرور وإعاقتها المؤثمة بنص المادة (137 مكرر) من ذات القانون.

ثانيا: بالنسبة للمتهمة الثالثة:

بجنحة إهانة موظف عام المؤثمة بنص المادة (173) من قانون الجزاء.

ثالثا: بالنسبة للمتهم التاسع:

بجنحة مخالفة الأنظمة الإدارية المؤثمة بنص المادة (312/1) من قانون الجزاء بدلالة المادة (60) من قانون المطبوعات والنشر وتعديلاته.

  • تم تداول الدعوى أمام محكمة أول درجة، وبتاريخ 8 / 8 / 2012م أصدرت المحكمة الابتدائية بمسقط الحكم الآتي نصه: “حكمت المحكمة حضوريا:

أولا: بإدانة جميع المتهمين من الأول وحتى الحادي عشر بجنحة التجمهر بقصد إحداث شغب وقضت بمعاقبتهم بالسجن لمدة ستة أشهر وبغرامة مائتي ريال.

ثانيا: بإدانة جميع المتهمين من الأول وحتى الحادي عشر بجنحة تعطيل حركة المرور وقضت بمعاقبتهم بالسجن لمدة سنة.

ثالثا: إدانة المتهمة الثالثة بجنحة إهانة الموظفين وقضت بمعاقبتها بالسجن لمدة شهرين.

رابعا: إعلان براءة المتهم التاسع من جرم مخالفته الأنظمة الإدارية.

على أن تدغم العقوبات بحقهم جميعا وينفذ منها الأشد، ويفرج عن المتهمين بكفالة مالية مقدارها ألف ريال عن كل متهم في حال استئنافهم الحكم بغية عدم تنفيذه”. (حكم محكمة أول درجة في الدعوى الجزائية رقم 1172/2012م مستند رقم 3)

  • لم يرتض المتهمون حكم محكمة أول درجة المتقدم فطعنوا عليه بالاستئناف لدى محكمة الاستئناف بمسقط (الدائرة الجزائية)، وبتاريخ 12/12/ 2012م أصدرت المحكمة الحكم الآتي:

“حكمت المحكمة بقبول الاستئنافات شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إدانة المتهمين بجنحة تعطيل حركة المرور والقضاء مجددا ببراءتهم من هذا الجرم وتأييد الحكم فيما عدا ذلك وألزمت المتهمين المصاريف على أن تنفذ العقوبة بحق المستأنف محمد بن خليفة الفزاري بعد انتهاء امتحانات الفصل الدراسي الحالي”.

(الحكم المطعون فيه مستند رقم 2)

لم يرتض المتهمون الأول والسادس والسابع والثامن والحادي عشر والمذكورون بصدر صحيفة الطعن بحكم محكمة الاستئناف فطعنوا عليه أمام المحكمة العليا الموقرة بالطعن الماثل لما سيرد تفصيلا من أسباب.

. وإذ صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 12/ 12/2012م وتم الطعن عليه خلال القيد الزمني المحدد قانونا بنص المادة (249) من قانون الإجراءات الجزائية، لذا يلتمس الطاعنون من عدالة المحكمة الموقرة: قبول الطعن شكلا.

ثانيا: أسباب الطعن

الخطأ في تطبيق القانون

أخطأ الحكم المطعون عليه في تطبيق صحيح القانون من عدة أوجه، أبرزها ما يلي:

الوجه الأول للمخالفة:

الثابت بالأوراق أن المتهمين (الطاعنين) وآخرين قد أحيلوا إلى المحاكمة الجزائية بتهمة التجمهر المؤثمة بنص المادة (137) جزاء، وكذلك بتهمة تعطيل وإعاقة الحركة المرورية المؤثمة بنص المادة (137) من ذات القانون، والثابت أيضا أن محكمة أول درجة قد أدانت المتهمين بالتهمتين، ومن ثم قامت محكمة الاستئناف مصدرة الحكم المطعون فيه بإلغاء حكم محكمة أول درجة في شقه المتعلق بإدانة المتهمين بتهمة تعطيل وإعاقة الحركة المرورية والقضاء ببراءتهم منها، وأيدته في شقه الآخر المتعلق بإدانتهم بجنحة التجمهر بقصد الشغب أو الإخلال بالأمن العام المؤثمة بنص المادة (137) جزاء.

  • ويتمثل وجه المخالفة في أن محكمة أول درجة ومن بعدها محكمة الاستئناف مصدرة الحكم المطعون فيه، قد أدانت المتهمين الطاعنين بتهمة التجمهر استنادا لنص قانوني تم تعديله بموجب المرسوم السلطاني رقم (96/ 2011م) إذ تنص المادة (137) جزاء بعد تعديلها على أن (يعاقب بالسجن من شهر إلى سنة وبغرامة لا تجاوز مائتي ريال كل من اشترك في تجمهر مؤلف من عشرة أشخاص على الأقل بقصد الإخلال بالنظام العام …)، في حين تنص المادة (137) قبل التعديل ـ والتي استند عليها الحكم المطعون فيه ـ على أن (يعاقب بالسجن من عشرة أيام إلى سنة أو بغرامة لا تجاوز خمسين ريالا كل من اشترك في مكان عام بتجمهر خاص مؤلف من عشرة أشخاص على الأقل بقصد الشغب أو الإخلال بالأمن العام إذا بقي متجمهرا بعد أن صدر أمر من أحد رجال السلطة بالتفرق والانصراف).

وإذ الثابت وجود فروق جوهرية في البناء القانوني للمادتين من حيث شروط انطباقها ومقدار العقوبة، ومفهوم القصد الجنائي؛ إذ يوجب النص القديم الذي استند عليه الحكم المطعون فيه أن يستمر التجمهر بعد صدور أمر من أحد رجال السلطة بالتفرق والانصراف، في حين لا وجود لهذا الشرط في النص الحالي الواجب التطبيق، كما أن العقوبة تخييرية ما بين السجن والغرامة في النص القديم الملغي، في حين أنها ليست كذلك في النص الحالي، إضافة إلى اختلاف الحد الأدنى لعقوبة الحبس في كلا النصين.

وقد استقر القضاء على أن الحكم بالإدانة يجب أن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه وهو بيان جوهري، اقتضته قاعدة شرعية الجرائم والعقاب، لذا يتعين تحديد المادة التي تحدد الأفعال التي يؤثمها القانون وتبين ما يقضي به من عقوبة، وإذ الثابت أن محكمة أول درجة ومن بعدها محكمة الاستئناف مصدرة الحكم المطعون فيه، قد استندتا في إدانة المتهمين على نص المادة (137) جزاء الملغاة والتي تم تعديلها بموجب المرسوم السلطاني رقم (96/ 2011م) وفق الثابت بالأوراق، مما يعد خطأ في الإسناد ينقض الحكم.

ثانيا: الوجه الثاني لمخالفة الحكم المطعون فيه للقانون

الثابت بالأوراق بدءا من التحقيقات وقرار الإحالة وانتهاء بما ورد بحيثيات وأسباب حكم محكمة أول درجة وكذلك حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه، وجود ارتباط وتلازم فيما بين تهمتي (التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام) و (تعطيل الحركة المرورية وإعاقتها) بما مؤداه أنه لا يمكن تناول أي من التهمتين بمعزل عن الأخرى، فقد خلص حكم محكمة أول درجة إلى أن قصد الإخلال بالنظام العام في التهمة الأولى وهي (التجمهر) قد تمثل في تعطيل وإعاقة الحركة المرورية (موضوع التهمة الثانية) فالركن المعنوي في تهمة التجمهر هو ذاته موضوع الركن المادي في تهمة تعطيل وإعاقة الحركة المرورية.

وإذ قضى حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه بإلغاء حكم محكمة أول درجة في شقه المتعلق بإدانة المتهمين بجنحة تعطيل وإعاقة الحركة المرورية والقضاء ببراءتهم منها مسببا ذلك وفق الثابت بالصفحة السابعة من الحكم المطعون فيه (مستند رقم 2) وكما ورد نصا “… تبين للمحكمة فيما يتعلق بالتهمة الثانية (التسبب في عدم سهولة سير المركبات على الطرقات المحيطة بمكان التجمهر) غير ثابتة بحق المستأنفين ذلك أنه بالرجوع إلى أوراق الدعوى والتدقيق في الصورة المرفقة بمكان التجمهر تبين أنه مواقف للمركبات (على الرصيف الفاصل بين المواقف) مما يعني أن وقوفهم لم يكن على حافة الطريق أو في الطريق وما نتج من بطئ في حركة السير لم يكن بسبب مباشر لوقوفهم وإنما نتيجة فضول الغير وهو أمر لا يتحملون نتيجته لعدم تسببهم المباشر في حدوثه وبالتالي يكون ما أثير من دفاع حول ذلك له ما يعضده من أوراق الدعوى إضافة لما ثبت من أقوال الشاهد علي بن عبدالله باصديق أن قطع الحركة المرورية في يوم الضبط كان بإيعاز من الأمن تمهيدا لضبط المتهمين وعليه فإن المحكمة لا تساير الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من إدانة المتهمين بجنحة تعطيل حركة المرور وتقضي تبعا لذلك بإلغاء الحكم المستأنف فيما يتعلق بهذه التهمة وببراءتهم من هذا الجرم …”.

وبذلك فإن الحكم المطعون فيه وعلى النحو الذي صدر عليه وفق السالف بيانه يستتبع بالضرورة وبحكم التلازم والارتباط بين التهمتين براءة المتهمين أيضا من تهمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام إذ تمحورت التحقيقات سواء لدى جهة التحقيق وما أجرته وخلصت إليه محكمة أول درجة إلى أن صورة الإخلال بالنظام العام في تهمة التجمهر تمثلت في تعطيل وإعاقة الحركة المرورية موضوع التهمة الثانية، وبانتفاء التهمة الثانية وقضاء الحكم المطعون فيه بالبراءة فيها فإن التهمة الأولى (التجمهر) تكون منتفية أيضا.

وتبرز مخالفة الحكم المطعون فيه لصحيح القانون تأييده حكم محكمة أول درجة بإدانة المتهمين بتهمة التجمهر لاعتناقه صورتين متعارضتين لواقعة الدعوى، فجاء متناقضا في الإسناد وفي التسبيب إذ ينفي بعضه ما أثبته البعض الآخر، ولا يعرف منه أي الأمرين قصدته المحكمة وذلك ينبئ عن اختلال فكرته من حيث تركيزه في موضوع الدعوى واضطراب أسبابه مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته، ويكون مشوبا بالقصور المبطل.

الوجه الثالث لمخالفة الحكم المطعون فيه:

شاب الحكم المطعون فيه القصور في الرد على دفوع المتهمين ببطلان القبض عليهم وما تلاه من إجراءات لانتفاء الجريمة، وكذلك الدفع بتناقض وعدم جدية محضر التحريات، وبكيدية الاتهام، ووصف قرار إحالة المتهمين للمحاكمة بأنه كان انتقائيا؛ ففي معرض رده على الدفع ببطلان القبض وما تلاه من إجراءات، بأنه في غيره محله قد استند في ذلك على وجود النص العقابي (137) جزاء وهو استناد غير صحيح، فمجرد وجود النص العقابي لا يعني حتما انطباقه على الواقعة موضوع التهمة الأولى، لأن فعل التجمهر لا يعاقب عليه مجردا؛ بل لا بد أن يكون مقرونا بقصد الإخلال بالنظام العام، وإذا ما كان هذا الإخلال منتفيا فلا وجود للجريمة أصلا وبالتالي فإن القبض على المتهمين مع انتفاء الجرم يكون باطلا وتبطل معه كافة الإجراءات المترتبة عليه.

  • كما استند الحكم المطعون فيه إلى أن الإجراءات القانونية قد طبقت قبل الضبط، مدللا على ذلك بقيام القائمين على الضبط بإصدار أوامر للمتهمين بالتفرق والانصراف في اليوم الأول والثاني وهو استخلاص غير سديد، ويدل على عدم وقوف المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه على الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى؛ إذ الثابت أن وقفة المتهمين كانت سلمية، ولم يشبها أي مظهر من مظاهر الإخلال بالأمن، إضافة إلى وجود اتفاق فيما بين المتهمين والمسؤولين من رجال الأمن على الانصراف بعد مرور ساعة واحدة من وقفتهم السلمية وهذا ما حدث في اليوم الأول والثاني إلا أنه في اليوم الثالث ألقي القبض عليهم بعد مرور عشر دقائق من بداية الوقفة دون مبرر لذلك.

إضافة إلى ذلك وهو الأكثر أهمية أن مسألة وجود أوامر من جهة الضبط للمتهمين بالانصراف تؤكد أن المحكمة وهي بصدد نظر الدعوى أعملت نص المادة (137) جزاء الملغاة؛ لأن النص المعدل للمادة المذكورة وهو الواجب التطبيق، قد خلا من شرط صدور أوامر من جهة الضبط للمتجمهرين.

  • وعما أثارته المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه في معرض ردها على دفع المتهمين بعدم جدية التحريات بأنها ليست سوى محضر ضبط للمتهمين، وذلك مردود عليه بأنه أيا ما كان الوصف الذي أسبغته المحكمة على ذلك فإن المحضر المذكور مشوب بالبطلان؛ أولا لانتفاء الجرم، وثانيا لأنه سطر من قبل أحد شاهدي الاثبات، واتسم بالتناقض وعدم الجدية، بدليل القضاء ببراءة المتهمين من تهمة تعطيل وإعاقة الحركة المرورية التي اعتبرها محضر الضبط المذكور أنها هي مظهر الإخلال بالنظام العام.

  • كما ذهب الحكم المطعون فيه في معرض رده على دفع المتهمين بأن قرار اتهامهم وإحالتهم إلى المحاكمة الجزائية كان انتقائيا بما يدلل على كيدية الاتهام؛ إذ أورد الحكم المذكور بصدر الصفحة التاسعة ما نصه: “أما عن القول بأنه تم انتقاء المتهمين وإبعاد غيرهم ممن حضروا الواقعة محل التجريم فإن هذا الأمر يرجع تقديره لجهات التحقيق من حيث الوقائع والأدلة، ويكون تدخل المحكمة في حالة الاشتراك في الضرر الخاص وهو أمر لا ينطبق على الدعوى الماثلة، إضافة لذلك أن هذا لا يغير في واقع الدعوى من حيث انطباق النص العقابي على المتهمين …”.

وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في معرض تسبيبه للرد على دفاع المتهمين غير سديد؛ إذ الثابت بالأوراق أن عدد من ألقي القبض عليهم هو ستة وعشرون شخصا إلا أن الذين أحيلوا منهم إلى المحاكمة أحد عشر شخصا، مع أن الجميع منسوب إليهم ذات الفعل، ولم تقدم جهة التحقيق سببا لذلك، كما لم توضح المعيار الذي اعتمدت عليه في تصنيف المتهمين والذي على ضوئه تم استبعاد الجزء الأكبر منهم، وإحالة البقية إلى المحاكمة، كما لم تقدم قرار حفظ الدعوى لمن تم استبعادهم للاطلاع عليه ومعرفة أسبابه؛ رغم مطالبة دفاع المتهمين بذلك في مرحلتي التقاضي، وإذا كان الأمر راجعا لتقدير جهة التحقيق وأنه لا يغير من واقع الدعوى على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، إلا أنه ينطوي على قرينة جلية بانتقاء متهمين بذواتهم وإحالتهم إلى المحاكمة دون سبب أو مبرر قانوني، كاشفا بذاته عن هذه القرينة؛ خاصة وأن المتهمين الذين تم استبعادهم من الاتهام والإحالة للمحاكمة منسوب لهم ذات الفعل الذي أحيل به المتهمون.

إضافة إلى ذلك فإن استبعاد بعض المتهمين من الاتهام والإحالة يدلل على عدم صحة تهمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام، إذ لو كان الأمر غير ذلك لما ملكت سلطة الاتهام والإحالة حفظ الدعوى للبعض ؛خاصة مع انتفاء السبب والمبرر القانوني لذلك.

ثانيا: الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب

إن النص العقابي الذي أدين به المتهمون يتطلب قصدا جنائيا خاصا، يتمثل وفق الوارد بالنص في (قصد الإخلال بالنظام العام) بما مؤداه أن فعل التجمهر ليس مجرما بذاته، إلا إذا كان مقرونا بقصد الإخلال بالنظام العام؛ فالتجمهر لا يعاقب عليه مجردا، والقول بخلاف ذلك مؤداه تجريم أي تجمعات بشرية تزيد عن عشرة أشخاص في أي مناسبة كانت، لذا استقر القضاء على أنه يجب استقراء نصوص القانون وتفسيرها بما يتفق وصحيح القواعد والأصول، ومن الواجب على القاضي التحرز في تفسير القوانين الجنائية، والتزام جانب الدقة في ذلك، وعدم تحميل نصوصها فوق ما تحتمل، كما أن القصد الجنائي لا يفترض؛ بل لا بد من إقامة الدليل عليه، والثابت أن الحكم المطعون فيه قد استند وهو في سبيل إثبات القصد الجنائي على محض افتراضات، وتأويل الوقائع على غير ما تحتمل مخالفا بذلك ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا الموقرة عملا بنص المادة (220) من قانون الإجراءات الجزائية على أن كل حكم بالإدانة يجب أن يبين مضمون كل دليل من أدلة الإثبات ويذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به وسلامة مأخذه؛ تمكينا للمحكمة العليا من مراقبة تطبيق القانون تطبيقا صحيحا على الواقعة، كما صار إثباتها في الحكم وإلا كان باطلا. (الطعن رقم 89 / 2007م جزائي عليا).

وتتجلى شائبة فساد الحكم المطعون فيه في الاستدلال على ثبوت القصد الجنائي في جريمة التجمهر التي أدين بها المتهمون؛ عندما قرر في الصفحة الثامنة منه بأن القصد والنية هي من الأمور الغيبية بحيث لا يمكن الاطلاع عليها بطريقة مباشرة وإنما يستعان في استظهارها بالأدلة والقرائن، مع أن ما ساقه الحكم المطعون فيه في هذا الشأن من أدلة وقرائن لا علاقة لها بثبوت القصد الجنائي بل هي تؤكد انتفاءه وفقا للبيان التالي:

أولا: أورد الحكم المطعون فيه بالصفحة الثامنة منه ما نصه: “… ذلك أنه بالنظر إلى موضوع (التجمهر) نجد أن التجمهر قصد منه حسب إفادة المستأنفين الإفراج عن معتقلين تم اعتقالهم بواسطة القسم الخاص وبالنظر إلى مكان (التجمهر) وذلك حسب إفادة المستأنفين ومن خلال الواقع نجد أنه في منطقة تجارية بالقرب من قيادة الشرطة وبالنظر في أشخاص المتجمهرين (المستأنفين) نجد أنهم من مستويات علمية وثقافية مختلفة وليس من بينهم من هو بعيد عن الثقافة والمعرفة وبالتالي يكون تجمهرهم واستمرارهم عليه رغم أمرهم بالتفرق لأكثر من يوم دالا على مقصدهم في إحداث الشغب…).

وبتمحيص ما سبق يتضح الآتي:

  1. إصرار الحكم المطعون فيه على إعمال نص المادة (137) جزاء الملغى والذي ورد فيه لفظ (الشغب) إذ لا وجود لهذا اللفظ في النص المعدل الواجب التطبيق.

  1. وصف الحكم المطعون فيه للمتهمين بأنهم من مستويات علمية وثقافية مختلفة وليس من بينهم من هو بعيد عن الثقافة والمعرفة للتدليل على توافر القصد الجنائي لديهم؛ هو تدليل غير سائغ، فالوصف الذي ألحقه الحكم المذكور بالمتهمين يحسب لهم لا عليهم لأنهم في هذه الحالة ولكونهم على مستوى علمي وثقافي فهم أحرص الناس على عدم المساس أو الإخلال بالنظام العام، ويعضد من هذه الحقيقة ذلك المسلك الحضاري الراقي الذي انتهجه المتهمون وهم بصدد التعبير عن رأيهم إذ حملوا لافتات مكتوبا عليها بعض آرائهم ومطالبهم دون اللجوء حتى إلى الهتاف أو الصخب.

  1. وعن مكان التجمهر، إذ استدل الحكم المطعون فيه على توافر القصد الجنائي لدى المتهمين كونه في منطقة تجارية بالقرب من قيادة الشرطة، فهو استدلال غير سديد أيضا، ويتناقض مع ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهمين من تهمة تعطيل وإعاقة الحركة المرورية، مسببا ذلك وفق الثابت بالصفحة السابعة: “أنه فيما يتعلق بالتهمة الثانية (التسبب في عدم سهولة المركبات على الطرقات المحيطة بمكان التجمهر) غير ثابتة بحق المستأنفين ذلك أنه بالرجوع إلى أوراق الدعوى والتدقيق في الصورة المرفقة بمكان التجمهر تبين أنه مواقف للمركبات (على الرصيف الفاصل بين المواقف) مما يعني أن وقوفهم لم يكن على حافة الطريق أو في الطريق وما نتج من بطئ في حركة السير لم يكن بسبب مباشر لوقوفهم وإنما نتيجة فضول الغير وهو أمر لا يتحملون نتيجته … إضافة لما ثبت من أقوال الشاهد علي بن عبدالله باصديق أن قطع الحركة المرورية كان بإيعاز من الأمن …”.

إذن فالبين أن جميع هذه الدلالات لا تؤدي وفق منطق الأمور إلى ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من ثبوت القصد الجنائي لدى المتهمين بالنظر إلى مكان التجمهر، ويؤكد في ذات الوقت على تناقض الحكم المطعون فيه واعتناقه لصورتين متعارضتين لواقعة الدعوى على النحو السالف بيانه تفصيلا في السبب الأول من أسباب الطعن.

ثانيا: أغفل الحكم المطعون فيه العديد من القرائن الدالة على انتفاء القصد الجنائي لدى المتهمين، ومنها:

  1. إن مكان الواقعة هو مواقف للمركبات كائن بين بنك مسقط وقيادة شرطة محافظة مسقط، وبأن المتهمين كانوا يقفون على رصيف بنك مسقط فلم يتوسطوا شارعا أو طريقا وفق الثابت من الصورة المرفقة وذلك يدل على عدم انصراف نيتهم إلى الإخلال بالنظام العام؛ إذ لو قصد المتهمون الإخلال بالنظام العام لتوسطوا أحد الشوارع المحيطة بالمنطقة أو تجمعوا أمام مدخل قيادة شرطة محافظة مسقط، ونأيهم عن كل ذلك يقطع بحرصهم على عدم الإخلال بالنظام العام.

  1. امتداد الوقفة السلمية للمتهمين ليومين سابقين على يوم القبض عليهم وتحديد مدة الوقفة السلمية بساعة واحدة وانصرافهم بإرادتهم الحرة فور انتهائها دليل على عدم وجود نية لديهم للإخلال بالنظام العام، إضافة إلى أنه لو كان هنالك إخلال بالنظام العام قد وقع بالفعل لتم القبض عليهم من اليوم الأول ومن اللحظة الأولى، ويؤكد ذلك ما قرره الشاهد المقدم أحمد الرواس من قوة الضبط وفق الثابت بالأوراق أنه تم القبض على المتهمين خوفا من الإخلال بالنظام العام، بما مؤداه عدم وجود إخلال بالنظام العام قد وقع بالفعل، وأن القبض على المتهمين كان لخشية وقوعه.

  1. إن ما قام به المتهمون حق كفله النظام الأساسي للدولة؛ إذ كفلت المادة (29) منه حرية التعبير، وأن ما قام به المتهمون ليس سوى ممارسة لهذا الحق، في إطار من السلمية وبحرص منهم على عدم المساس بالنظام العام بأي صورة من الصور، خاصة وأن حرية التعبير ليست محصورة في شكل محدد أو وفق طريقة بعينها.

وإذ أغفل الحكم المطعون فيه كل هذه القرائن الدالة على عدم توافر القصد الجنائي لدى المتهمين ليستند في ثبوته على افتراضات وتأويل الوقائع على غير ما تحتمل لينتهي باستخلاص غير سائغ على ثبوته؛ ولا يصح القول بالمسؤولية المفترضة.

ومن مجمل ما تقدم يتضح جليا أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب فيما انتهى إليه من تأييد حكم محكمة أول درجة في شقه المتعلق بإدانة المتهمين بجنحة التجمهر لمخالفته صحيح القانون، وفساده في الاستدلال على النحو المبين تفصيلا بصحيفة الطعن، بما يجعله وبحق حريا بالنقض والإلغاء جزئيا فيما قضى به من إدانة المتهمين (الطاعنين) بتهمة التجمهر.